شوشان: تستنزف ملايين اللترات لأغراض التبريد الذي يشكل ضغطًا على الموارد المائية
بلاسمة: تستهلك 1.5% إلى 2% من الكهرباء العالمية وسترتفع ل 8% ب 2030
الأنباط –عمر الخطيب
مراكز البيانات أمست ضرورة ملحة في عصر الرقمنة، لكن تشغيلها وتزايدها أصبح يشكل تحديًا بيئيًا يحتاج وقفة لمواجهة التحديات المتزايدة خاصة فيما يتعلق باستخدام المياه.
ولا شك أن مراكز البيانات تعتبر حجر الزاوية للبنية التحتية العالمية في ظل التحول الرقمي، حيث تلعب دورًا حيويًا في دعم العمليات الرقمية المتزايدة يومًا بعد يوم، ومع تزايد احتياجات هذه المراكز للطاقة، يبرز تحدٍ كبير يتطلب استراتيجيات مبتكرة لضمان استدامتها.
ومن أبرز هذه التحديات موضوع التبريد، إذ تتطلب مراكز البيانات كميات ضخمة من الطاقة لتبريد الخوادم، ما يؤدي إلى استهلاك هائل للمياه في عمليات التبريد، وهذا الاستخدام الواسع للمياه يطرح تساؤلات بيئية ملحة حول تأثير هذه المراكز على الموارد الطبيعية في ظل ارتفاع معدلات الاستهلاك وتغير المناخ.
ويرى خبراء أن مراكز البيانات قد تزيد من انبعاثات الكربون، خاصة مع تزايد الطلب على الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، من هنا، تبرز ضرورة إيجاد حلول مستدامة تجمع بين التطور التكنولوجي والحفاظ على البيئة، ما يتطلب تضافر الجهود بين الشركات والحكومات والخبراء البيئيين لتقليص الآثار البيئية لهذا القطاع الحيوي، الذي يعد أحد الركائز الأساسية في عصرنا الحديث.
خبير البيئة والتغير المناخي عمر شوشان أكد أن مراكز البيانات تعتبر بنية تحتية أساسية في العالم الرقمي لكنها تستهلك كميات كبيرة من الطاقة والمياه، فالخوادم تعمل على مدار الساعة وتستهلك نحو 50% من الطاقة لتشغيلها، بينما تُستخدم النسبة المتبقية في التبريد باستخدام تقنيات تعتمد على الهواء أو المياه. وفي المناطق الحارة، تُستهلك ملايين اللترات من المياه سنويًا للتبريد، ما يزيد الضغط على الموارد المائية المحلية.
وأكد شوشان أن المياه في مراكز البيانات تستخدم لتبريد الخوادم عبر أنابيب أو مبادلات حرارية، وبعض الأنظمة تعيد تدوير المياه (دوائر مغلقة)، بينما تستخدم أخرى مياه جديدة باستمرار (دوائر مفتوحة) وتُصرّف بعد تسخينها، وتعالج المياه المصروفة وتُرسل إلى الصرف الصحي أو المسطحات المائية بعد تبريدها أو تتبخر في أبراج التبريد.
وبين أن تصريف المياه الساخنة الناتجة عن مراكز البيانات إلى الأنهار أو البحيرات قد يرفع درجة حرارة المياه ما يؤثر سلبًا على النظم البيئية المائية ويهدد الكائنات الحية مثل الأسماك، وأن المياه الدافئة تحتوي على أكسجين أقل، ما يعرض الحياة المائية للخطر ويؤدي إلى اضطراب التوازن البيئي وانخفاض التنوع البيولوجي.
وقال إن تشغيل مراكز البيانات يواجه تحديات بيئية متزايدة خاصة فيما يتعلق باستخدام المياه ومن أبرز هذه التحديات الاستهلاك المرتفع للمياه في أنظمة التبريد والذي يعد مقلقًا في المناطق التي تعاني من شح المياه، حيث يؤثر سلبًا على إمدادات الشرب والزراعة، بالإضافة إلى أن إدارة المياه المستخدمة تشكل تحديًا إذ تهدر أو تتحول إلى مصدر تلوث إذا لم تعالج وتعاد تدويرها بشكل مناسب، مضيفًا أن أنظمة التبريد المائي تعتمد على طاقة لتشغيل المعدات، أما إذا كانت هذه الطاقة مشتقة من مصادر غير متجددة فإن ذلك يؤدي إلى زيادة الانبعاثات الكربونية ويزداد تعقيد هذه التحديات في المناطق الحارة والجافة، حيث يتطلب التبريد موارد أكبر مقارنة بالمناطق ذات المناخ البارد.
وأضاف شوشان أن الاعتماد المتزايد على مراكز البيانات قد يزيد من انبعاثات الكربون خاصة مع تزايد الطلب على الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، وإذا استمرت هذه المراكز في استخدام الطاقة غير المتجددة فقد تتضاعف مساهمتها في الانبعاثات العالمية، مشيرًا إلى أن للتقليل من هذا التأثير يمكن التحول إلى الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح، وإعادة تصميم المراكز في مناطق باردة بـ الإضافة إلى تبني سياسات تعويض الكربون مثل التشجير.
وبخصوص تأثير التغير المناخي والجفاف على مركز البيانات، أوضح شوشان أنه من المحتمل أن تضطر مراكز البيانات إلى الانتقال لمناطق أكثر برودة أو استخدام تقنيات تبريد بديلة لتقليل الاعتماد على المياه علاوة على ذلك سيؤدي الجفاف إلى تقليل إنتاج الطاقة خصوصًا في محطات الطاقة الكهرومائية، ما يزيد من الاعتماد على الوقود الأحفوري وبالتالي يزيد ارتفاع الانبعاثات.
ولتقليل تأثير مراكز البيانات على البيئة، بين شوشان أنه يمكن استخدام تقنيات مثل التبريد بالهواء الحار في المناطق الباردة، أو أنظمة التبريد المغلقة التي تعيد تدوير المياه، ويمكن أيضًا تشغيل المراكز بالطاقة المتجددة وتقنيات التبريد بالغمر باستخدام سوائل غير موصلة بالإضافة إلى أنه يمكن إعادة استخدام الحرارة الناتجة لتدفئة المباني أو لأغراض صناعية.
وفي ما يتعلق بجانب الطاقة، بين خبير الطاقة الدكتور فراس بلاسمة أن عملية التبريد بالمياه في مراكز البيانات تتم بعدة طرق بهدف سحب الحرارة الناتجة عن الخوادم، أبرزها التبريد بالتبخير الذي يعتمد على تمرير الهواء الساخن عبر مبادل حراري يحتوي على ماء يتبخر لسحب الحرارة لكنه يستهلك كميات كبيرة من المياه العذبة، كما يتم استخدام التبريد بالدوائر المغلقة، حيث يُضخ الماء البارد بين الخوادم ثم يعاد تبريده باستخدام أبراج تبريد أما التبريد غير المباشر فيعتمد على استخدام الماء لتبريد الهواء الذي يُضخ داخل غرف الخوادم، لتقليل التأثير البيئي يمكن استخدام مصادر طاقة بديلة مثل الطاقة الشمسية والجوفية، بالإضافة إلى أنظمة التبريد بالهواء والذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة استهلاك الطاقة.
وأشار بلاسمة إلى أن مراكز البيانات تستهلك حوالي 1.5% إلى 2% من إجمالي الكهرباء العالمية، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 8% بحلول عام 2030 مع توسع استخدام الذكاء الاصطناعي، هذا الاستهلاك الكبير يضع ضغطًا متزايدًا على الشبكات الكهربائية خاصة في الدول ذات البنية التحتية الضعيفة، بالإضافة إلى أنه يسبب ضغطًا على توزيع الأحمال مما يؤدي إلى عدم الاستقرار في الشبكة خلال أوقات الذروة وذلك يزيد الطلب المرتفع على الطاقة الاحتياطية من الاعتماد على محطات الطاقة التقليدية مثل الفحم والغاز.
وأكد أن أحدث الابتكارات في مجال تبريد مراكز البيانات تشمل عدة تقنيات متقدمة مثل تبريد السائل المباشر ويعتمد على تبريد المعالج باستخدام سائل تبريد، ما يجعله أكثر كفاءة من التبريد الهوائي التقليدي كما يتم استخدام تقنية التبريد بالغمر حيث تُغمر الخوادم في سائل عازل للحرارة والكهرباء لسحب الحرارة منها مباشرة، بالإضافة إلى أن الذكاء الاصطناعي يستخدم لإدارة التبريد مثل خوارزميات Google DeepMind التي تمكنت من تقليل استهلاك الطاقة للتبريد بنسبة تصل إلى 40%، مضيفًا أنها تستغل الحرارة الناتجة عن مراكز البيانات في أنظمة استعادة الحرارة لتدفئة المباني المجاورة أو استخدامها في التطبيقات الصناعية، بالإضافة عن طريق الهواء الخارجي أي في المناطق الباردة دون الحاجة إلى تبريد نشط.
أما بخصوص الأثر البيئي لاستعمال الطاقة التقليدية (مثل الفحم أو الغاز) في تشغيل مراكز البيانات مقارنة بالطاقة المتجددة، ذكر بلاسمة أن الطاقة التقليدية تُسهم في انبعاثات كربونية عالية مثل ( CO₂ وNOx وSOx)، ما يعزز الاحتباس الحراري ويلوث الهواء، بالإضافة إلى استنزافها للموارد الطبيعية وفرض تكلفة بيئية على المدى الطويل بسبب النفايات والانبعاثات، بالمقابل فالطاقة المتجددة تتميز بانبعاثات صفرية أثناء التشغيل وتُعتبر مستدامة على المدى الطويل، حيث تُخفف العبء البيئي وتدعم الأهداف المناخية، مبينًا أن الطاقة تعتمد على مصادر طبيعية مثل الشمس والرياح والمياه، مما يجعلها خيارًا أكثر توافقًا مع حماية البيئة.
ولتخفيف تأثير مراكز البيانات على البيئة عن طريق استخدام أنظمة ذكية لإدارة الطاقة، أوضح بلاسمة أبرز الخطوات لتحسين استدامة مراكز البيانات وتشمل التحول إلى الطاقة المتجددة من خلال التعاقد مع مزودي طاقة خضراء أو تركيب أنظمة شمسية ورياح محلية.
ولفت بلاسمة إلى أن تقنيات الطاقة تؤثر بشكل كبير على تكلفة تشغيل مراكز البيانات بالطاقة التقليدية التي تكون أرخص في بعض المناطق لكنها تتأثر بتقلبات الأسعار العالمية وتتطلب صيانة أكبر وأنظمة لمعالجة الانبعاثات، رغم أن الطاقة المتجددة تتطلب استثمارًا أوليًا مرتفعًا، إلا أن تكاليف التشغيل على المدى الطويل أقل بكثير، مع استقرار في التكاليف بفضل عدم تأثرها بسوق الوقود، فضلًا عن توفر حوافز حكومية وإعفاءات ضريبية، وفي كثير من الحالات أصبح سعر الكيلوواط الساعي من الطاقة الشمسية أو الرياح أقل من الطاقة المولدة من الفحم أو الغاز، ما يساهم في خفض تكاليف التشغيل بنسبة تصل إلى 30-50% عند استخدام تقنيات تبريد متقدمة.