محطات كثيرة ما زالت تنتظر أسواق المال العالمية، حيثُ تُشير توقعات الخبراء إلى أن البداية الحقيقية للمخاوف التي تسببت بانهيار الأسواق لم تبدأ بعد، فالتجارة العالمية بصدد فقدان بوصلتها أمام تصاعد التوترات الاقتصادية وتباطؤ النمو الاقتصادي.
فقد اتشحت مؤشرات أسواق المال العالمية باللون الأحمر على وقع الرسوم الجمركية الأخيرة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على عدد من دول العالم، والتي تجاوزت بمجملها البُعد الجغرافي مكبدةً كُبرى أسواق المال العربية خسائر وصلت إلى 7% في يوم واحد، في حين سجل مركز الأزمة العالمي "الولايات المتحدة" خسائر بأكثر من 5 تريليون دولار في يومين.
ويُنذر استمرار الحرب التجارية بمزيد من المخاطر في أسواق المال إلى حد يصعب التنبؤ به في حال استمرار التعنت الأمريكي في فرض سياسات تجارية حمائية يقابلها سياسات مماثلة في العديد من دول العالم.
وفي حديث خاص لـِ "الأنباط"، أشار الخبير الاقتصادي منير أبو ديه، إلى أن ردة فعل الأسواق في العالم على خلفية الرسوم الجمركية تعتبر كبيرة وأكبر مما كان متوقعًا، لافتًا إلى الخسارات الفادحة التي تلقتها أسواق المال العالمية، بدءًا من الأسواق الأمريكية التي خسرت أكثر من 5 تريليون دولار في يومين كبيرة.
سجل الخسارات لم ينتهي
ولفت إلى أن الحالة الاقتصادية بانتظار افتتاح الأسواق، إذ من المتوقع أن تشهد المزيد من الخسارات، في حين شهدت الأسواق العربية خسائر فادحة أول من أمس، حيثُ تراجع بعضها بنسبة 7%، مُشيرًا إلى أنها نسب غير مسبوقة في يوم واحد، حيثُ شهد سوق عمان المالي خسارة بأكثر 650 مليون دولار.
وبين أن تريليونات الدولارات قد تبخرت من الأسواق العالمية نتيجة قرارات ترامب الجمركية، حيثُ تعطي هذهِ الخسائر مؤشرات على دخول الاقتصاد العالمي في حالة من الركود.
وتوقع أبو ديه، أن تستمر أزمة أسواق المال العالمية خاصة مع افتتاح التعاملات اليوم، حيثُ يتوقع أن تنزف الأسواق المزيد من الخسائر، لافتًا إلى أن الأسواق الآسيوية افتتحت تعاملاتها أمس على خسارات تجاوزت 10%.
الاستمرار يعني الانهيار
وبين أنه لابد من وجود قرارات وحلول من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإلا ستستمر أسواق المال بنزيف الخسائر، موضحًا أن الحرب التجارية مستعرة وتزداد قساوة وصعوبة بسبب رد بعض الدول مثل الصين على فرض رسوم جمركية مضادة للأمريكية، حيثُ يُنذر استمرار الحرب التجارية بمزيد من المخاطر في أسواق المال وكُبرى الشركات خاصة البنوك، الطاقة، تكنولوجيا المعلومات إلى حد يصعب التنبؤ فيه.
وفي سياق متصل، بين أبو ديه أن انخفاض أسعار السلع الأساسية، المعادن الثمينة، والنفط جاء نتيجة مخاوف الركود والتنبؤ بتراجع نمو الاقتصاد العالمي بسبب الحرب التجارية والرسوم التي فُرضت، مُشيرًا إلى أن تلك التخوفات ستكون نتيجتها قاسية على الأرض وفي الأسواق العالمية.
ولفت إلى الدول التي ستكون قادرة على الدخول بمفاوضات سريعة مع الولايات المتحدة لتخفيض نسبة الرسوم الجمركية من الممكن أن تشهد أسواقها القليل من الارتفاع، مُبينًا أن الأزمة أكبر من بعض الدول النامية والخسارات ستجتاح العالم، إذ لا يوجد حل سوى تراجع الرئيس الأمريكي عن الرسوم الجمركية.
وأوضح أبو ديه، أنه بالوقت الحالي لا يوجد بوادر لحلول قريبة، حيثُ أن الأسواق العالمية مقبلة على أزمة غير مسبوقة.
أين سياج الخسارات؟
ويعد إيقاف التداول في بعض الشركات التي تنزف بشكل كبير أحد الطرق للحد من سلسلة الخسارات، بحسب أبو ديه، متوقعًا اتخاذ هذا الإجراء في بعض أسواق المال في العالم، مؤكدًا أن ذلك لن يوقف خسارات بقية الشركات.
وذكر أبرز الأسباب التي أدت إلى هذه الخسارات الفادحة ومنها زيادة احتمالات الركود في الاقتصاد العالمي، تقويض الثقة بالشركات، تباطؤ النمو، وارتفاع التضخم، الأمر الذي أدى إلى رفع الخوف عند المستثمرين وتراجع معنوياتهم ما تسب في هبوط حاد للأسواق بصورة لم يشهدها العالم من قبل.
الخسائر المالية وليدة الخوف الاقتصادي
من جهة أخرى، أوضح الخبير الاقتصادي حسام عايش، أن موجات الهبوط المتلاحقة في أسواق الأسهم العالمية تُعبر عن المخاوف الناجمة عن حالة اقتصادية تحوم حولها تقديرات بأنها ستكون سلبية على العلاقات التجارية الدولية والاستثمارية.
وتابع أن الخسائر في أسواق المال الأمريكية منذُ تولي دونالد ترامب منصبه الرئاسيّ إلى حين الرسوم الجمركية بلغت 5.3 تريليون دولار، وهو ما يساوي حجم التبادل السلعي للولايات المتحدة مع العالم تصديرًا واستيرادًا.
وأكد عايش أن التراجعات الحادة تعكس مخاوف كبيرة من الشركات العالمية المتداخلة التي ستتأثر مُباشرةً بفرض الرسوم الجمركية، الأمر الذي يقود إلى انخفاض وتيرة التجارة الدولية، ما يعني تراجع النمو في الطلب على المنتجات والخدمات.
الصادرات الأردنية في قبضة الرسوم الجمركية
وعلى الصعيد المحلي، أشار عايش إلى احتمالية تأثر الشركات الأردنية التصديرية بالحالة الاقتصادية العالمية وتحديدًا الرسوم الجمركية الإضافية التي ستزيد من كُلف الصادرات الأردنية إلى السوق الأمريكي وتقلل من تنافسيتها مع السلع الأخرى.
وتابع أنه من المحتمل أن تنخفض الصادرات الأردنية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي سيقلل من الفائض في الميزان التجاري الأردني مع أمريكا، وربما يزيد من العجز في الميزان التجاري الأردني.
فرصة كامنة للصادرات الصينية
وفي صدد الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على الصين، يرى عايش أن ذلك سيوجه الصادرات الصينية نحو أسواق جديدة الأمر الذي يعني أن السلع الصينية ستحظى بسعر أقل من غيرها، مُبينًا أن ذلك من الممكن أن يحمل "بُشرى" للمستهلكين بانخفاض أسعار السلع على عكس الولايات المتحدة التي سترتفع أسعار السلع بها بشكل مؤكد.
الأسواق العالمية بين تفاوض وتفاقم
وبين عايش أن المرحلة الحالية في الأسواق العالمية هي "جس نبض" لِما سيحدث من تداعيات في الأيام القادمة، منوهًا إلى أن مرحلة التعافي ستأتي بعد أن يستقر النظام أو في حال قبل العالم هذه المستويات من الرسوم الجمركية وتعامل معها.
ولفت إلى أن الأوضاع الاقتصادية ستعود إلى طبيعتها ولكنها بحاجة إلى وقت، حيثُ أن التعافي يرتكز على أن يكون هناك تفاوض على الرسوم الجمركية. ووصف الحالة التي خلقتها الرسوم الجمركية بـِ"تشنج العلاقات الاقتصادية"، موضحًا أن التشنج يحمل مسارين إما الوصول إلى تفاهمات أو مزيد من التوترات في العلاقات الاقتصادية الدولية.