عايش: الفائدة المرتفعة تزيد من تقلبات الأسواق وتحد من الإقبال على الأسهم
المجالي: معالجة التضخم تتطلب سياسات مالية إلى جانب الأدوات النقدية
الأنباط – يارا بادوسي
أسعار الفائدة ومعدل التضخم عاملان اقتصاديان أساسيان في الاقتصاد الكلي، ويمكن أن يكون بينهما علاقة معقدة، فالفائدة المرتفعة تجعل الاقتراض أكثر تكلفة، ما يؤدي إلى تقليل الاستهلاك والاستثمار. والفائدة المنخفضة تشجع على الاقتراض والإنفاق، ما يعزز النشاط الاقتصادي.
ورغم أن رفع الفائدة يساعد في خفض التضخم، فإنه قد يؤدي أيضًا إلى تباطؤ النمو الاقتصادي بسبب قلة الاستثمار والاستهلاك. وفي حالات التضخم المنخفض أو الركود الاقتصادي، قد يُخفض البنك المركزي معدلات الفائدة بهدف تشجيع الاقتراض والإنفاق. وهذه السياسة تهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي وزيادة الطلب على السلع والخدمات، بحسب خبراء.
ويرى الخبراء أن مكافحة التضخم تتطلب جهودًا متكاملة بين البنوك المركزية والحكومات والقطاع الخاص، وأن الأردن شهد خلال السنوات الأخيرة معدلات تضخم متباينة، حيث ساهمت السياسات الاقتصادية المتوازنة في احتواء الضغوط التضخمية، إذ بلغ معدل التضخم في نهاية عام 2023 نحو 2.3% مقارنة بـ 4.2% في نهاية عام 2022، ما يعتبر مؤشرًا على نجاح السياسات النقدية والمالية المتبعة.
وبين الخبير الاقتصادي حسام عايش أن ارتفاع أسعار الفائدة يشكل عاملًا رئيسيًا في التأثير على الاستقرار المالي، ويؤدي إلى اضطرابات في الأسواق المالية ويؤثر على قدرة البنوك على الإقراض والاستثمار.
وأوضح أن هذا الارتفاع يدفع بعض المستثمرين إلى تفضيل الاحتفاظ بأموالهم كودائع مصرفية للحصول على عوائد مضمونة، بدلًا من توجيهها نحو أسواق الأسهم، ما يؤدي إلى تذبذب أسعارها وفقًا للتحولات الاقتصادية والسياسية والأزمات الدولية، مشيرًا إلى أن أسعار الفائدة المرتفعة تجعل من الاستثمار في الأدوات المصرفية أكثر جاذبية مقارنة بالأسواق المالية، حيث تتراجع قيمة بعض الأسهم نتيجة انخفاض الطلب عليها بينما تشهد أسهم أخرى ارتفاعات متباينة تبعًا لتوجهات المستثمرين ما يخلق حالة من عدم الاستقرار المالي.
جاء ذلك تعليقًا على التقرير الذي نشره صندوق النقد الدولي مؤخرًا ليناقش فيه أبرز النتائج المحتملة لارتفاع أسعار الفائدة، مبينًا أن عدم الاستقرار المالي وصعوبة مكافحة التضخم قد يكونان من أبرز تلك النتائج، ما يضع تحديات إضافية أمام صانعي السياسات النقدية والمالية في مختلف الدول.
وأضاف عايش أن المستثمرين الذين يعتمدون على الاقتراض لتمويل استثماراتهم في البورصات يتأثرون أيضًا؛ إذ تؤدي الفائدة المرتفعة إلى زيادة كلفة الاقتراض، ما يقلل من الإقبال على الأسهم ويؤدي إلى تراجع قيمتها.
وتابع أنه على مستوى النظام المصرفي، فإن ارتفاع أسعار الفائدة يحمل تأثيرين متناقضين؛ فمن جهة يعزز قدرة البنوك على استقطاب المزيد من الودائع ويرى المودعون في الفائدة المرتفعة فرصة لتحقيق عوائد أعلى، ومن جهة أخرى يؤدي إلى تراجع الإقبال على القروض نتيجة ارتفاع كلفتها ما يقلل من فرص التوسع في الإقراض المصرفي.
وأوضح أن البنوك تحقق عوائد أكبر من الفائدة المرتفعة، خاصة من المقترضين الحاليين الذين يضطرون لدفع فوائد أعلى على قروضهم، إلا أن المخاطر المصاحبة لذلك تزداد، لا سيما مع إمكانية تعثر بعض المقترضين في السداد، ما يدفع البنوك إلى تخصيص جزء من أرباحها لمواجهة الديون غير المسددة.
وفيما يتعلق بسياسات البنوك المركزية، أشار إلى أن هذه المؤسسات تتبع عدة أدوات نقدية ومالية لكبح التضخم، من بينها رفع أسعار الفائدة، وزيادة متطلبات الاحتياطي الإجباري، وفرض قيود على الإقراض، مؤكدًا أن الحد من التضخم ليس مسؤولية البنك المركزي وحده، بل يتطلب أيضًا سياسات مالية مكملة، مثل ضبط الإنفاق الحكومي، ورفع الضرائب، وفرض قيود على السيولة النقدية المتداولة، إضافة إلى إجراءات رقابية للحد من استخدام بطاقات الائتمان وتقييد كميات النقد المتاحة في الأسواق.
وبين أن صندوق النقد الدولي حذر في تقريره الأخير من ارتفاع أسعار الفائدة في ظل صعوبة مكافحة التضخم خاصة إذا استمر لفترات طويلة، وأنه يمكن أن يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي ويزيد من الضغوط المالية على الحكومات والشركات والأفراد ، مشيرًا إلى أن تجارب بعض الدول مثل الولايات المتحدة خلال جائحة كورونا أظهرت أن الإفراط في ضخ السيولة قد يؤدي إلى تضخم مرتفع ما يستدعي تدخلات نقدية حازمة مثلما فعل الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة إلى مستويات تاريخية وصلت إلى 5.5% .
واختتم عايش حديثه بالتأكيد على أن مواجهة التضخم تتطلب مزيجًا من الأدوات النقدية والمالية وليس فقط الاعتماد على رفع أسعار الفائدة، محذرًا من استمرار ارتفاع الفائدة لفترات طويلة وأنه قد يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي، وزيادة حالات التعثر المالي، ما يعزز حالة عدم الاستقرار في الأسواق المالية.
من جهته، أوضح الخبير الاقتصادي حيدر المجالي أن التضخم يمثل ارتفاعًا عامًا في مستوى الأسعار خلال فترة زمنية معينة، ما يؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية للنقود، بحيث تصبح غير قادرة على شراء نفس الكميات من السلع والخدمات كما كان عليه الحال سابقًا.
وأكد أن مكافحة التضخم تتطلب جهودًا متكاملة بين البنوك المركزية والحكومات والقطاع الخاص، مشيرًا إلى أن الأردن شهد خلال السنوات الأخيرة معدلات تضخم متباينة، حيث ساهمت السياسات الاقتصادية المتوازنة في احتواء الضغوط التضخمية، إذ بلغ معدل التضخم في نهاية عام 2023 نحو 2.3% مقارنة بـ 4.2% في نهاية عام 2022، ما يعتبر مؤشرًا على نجاح السياسات النقدية والمالية المتبعة.
وأشار المجالي إلى أن التضخم قد يكون ناتجًا عن عدة عوامل، أبرزها تضخم الطلب، عندما يزيد الطلب على السلع والخدمات بوتيرة أسرع من القدرة الإنتاجية للاقتصاد، إضافة إلى التضخم الناجم عن ارتفاع التكاليف، حيث تؤدي زيادة أسعار المواد الخام والطاقة والأجور إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات ، مضيفًا أن هناك تضخمًا نقديًا يحدث عندما تزيد كمية النقود في الاقتصاد بشكل يفوق النمو الحقيقي، مستشهدًا بما حدث في الولايات المتحدة خلال أزمة كورونا، حيث قامت الحكومة بضخ ما يقارب 6.5 تريليون دولار في الأسواق، ما أدى إلى ارتفاع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة وصلت إلى 9%.
وأوضح المجالي أن البنوك المركزية تلجأ عادة إلى رفع أسعار الفائدة لتقليل المعروض النقدي، وهو ما قام به الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة من 0% في شهر آذار من العام 2022 وصلت إلى 5.5% - 5.75% لاحقًا، ما أثر بشكل مباشر على الأنشطة الاقتصادية والقدرة على الاقتراض والاستثمار.
وأضاف أن للتضخم آثارًا سلبية متعددة، من بينها تآكل المدخرات، وزيادة حالة عدم اليقين الاقتصادي، حيث يصبح من الصعب على الشركات والأفراد التخطيط للمستقبل بسبب تقلب الأسعار والتكاليف ، ويؤدي إلى توزيع غير عادل للثروة، إذ يستفيد المدينون من انخفاض القيمة الحقيقية للديون، بينما يتضرر الدائنون والمستهلكون الذين يواجهون ارتفاع الأسعار.
وتابع المجالي أن هناك أدوات مالية ونقدية إضافية يمكن استخدامها بجانب رفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم، مثل تقليل الإنفاق الحكومي، وفرض سياسات رقابية على الأسعار، وزيادة متطلبات الاحتياطي الإجباري للبنوك، إضافة إلى تطبيق سياسات اقتصادية تحقق الاستقرار المالي ، متابعًا أن بعض الدول مثل البحرين تمكنت من السيطرة على التضخم من خلال سياسات نقدية أكثر