نبض البلد- وكالات
جرياً على ما فعله المقبور أرئيل شارون في المسجد الأقصى في القدس قبل نحو عقدين، أي عملية الاقتحام التي أشعلت انتفاضة الأقصى الثانية، حطّ بنيامين نتنياهو محتلّاً ثقيلاً وقبيحاً على أرض الخليل، معيداً إحياء سيرة «رجل قوي»، في صراع انتخابي سبق أن ظهر من نتائجه السابقة أن نتنياهو «آخر القادة» في "إسرائيل"، أو هذا ما يحاول أن يروّج له.
سريعاً، ألقى نتنياهو كلمته وولّى، بعدما شلّ جنود العدو المدينة لمنع أي احتجاج أو اعتراض. كلمةٌ توعّد فيها الخليل بـ«البقاء إلى الأبد، وتوسيع الاستيطان»، في تجرّؤ ليس إلا حصيلة ما جنته اتفاقية «أوسلو»، التي خصّصت للخليل اتفاقاً زاد طين المدينة بلّة، لتصير مثل هذه الخطوة تواجَه بالاستنكار، وهو ما يقلّ حتماً عن «أضعف الإيمان».
بعد 21 عاماً، رجع «المكابيُّ الأخير» إلى الخليل من بوابة إحياء ما يُدعى عبرياً «أحداث الـ1929»، أو ما يُعرف فلسطينياً بـ«ثورة البراق». نتنياهو، المحاصَر بمخالفاته القانونية التي لا تُعدّ ولا تُحصى، لم يعد أمامه سوى أقل من أسبوعين لإجراء انتخابات «الكنيست» التي ستُحدّد مستقبله السياسي.
ومن الخليل، التي تُعدّ رأس حربة المشروع الاستيطاني في الضفة المحتلة، دعا نتنياهو إلى ضرورة بناء «أحياء (استيطانية) جديدة» في المدينة، وهو ما انتظره المستوطنون طويلاً، كما عبّر أحدهم قبل وصول الرؤساء الثلاثة: الرئيس الإسرائيلي، ورئيس الحكومة، ورئيس «الكنيست»، إلى المدينة. لكن هذا المستوطن قال :«لا نعقد آمالاً على خطابه (نتنياهو)، بل أفعاله»، كما نقلت عنه صحيفة «معاريف»، فيما وعد نتنياهو بـ«(أننا) نحن في الخليل إلى الأبد ولن نخرج منها، ولن ينجح أحد في طردنا من هذا المكان».
وبما أن الزيارة تأتي في ظلّ ثبات المشهد الانتخابي الإسرائيلي عند الصراع على أصوات اليمين، فإنها قد تُعتبر تكتيكاً لكسب أصوات المستوطنين ذوي الأيديولوجيا اليمينية. وفي الشكل العام، فهي ليست سوى استمرار لمحاولات الضم الزاحف وترسيخ السيادة الإسرائيلية على الضفة، في ظلّ عجز السلطة الفلسطينية عن تنفيذ جزء، ولو بسيطاً، من إعلاناتها المتكررة، وآخرها الذي أطلقه رئيسها، محمود عباس، من دون أن يُلحظ لكل ذلك أثر على أرض الواقع.
وسبق وصولَ نتنياهو انتشارٌ كثيف لجيش الاحتلال في الخليل، خاصة في البلدة القديمة، لمنع أي تحرك فلسطيني أو تجمّع رافض. كما أخلى جنود العدو 12 مدرسة في محيط المسجد الإبراهيمي، وذلك في إطار تأمين اقتحام المسجد والبلدة. وأُغلقت المحال التجارية في عدة مناطق في البلدة القديمة، فيما علّق المستوطنون أغطية كبيرة في محيط المناطق التي سيمرّ منها نتنياهو لحجب الرؤية عن الفلسطينيين في الأماكن التي ستجري فيها الأنشطة.
عموماً، تُعدّ الخليل عيّنة مصغرة مما فعله الاحتلال ببقية الضفة بعد النكسة العربية الكبرى؛ إذ بدأت تزحف المشاريع الاستيطانية والتهويدية إلى الضفة عامة وإلى المدينة التي يسكنها اليوم أكثر من ربع مليون فلسطيني. فقد شرع المستوطنون في سرقة أحيائها ومعالمها المهمة، خاصة في محيط البلدة القديمة التي باتت أشبه بمجمع عسكري يعجّ بالحواجز الأمنية المعرقلة لحركة السكان وتنقلاتهم. هذا المشروع الاستيطاني أنتج خمسة مواقع استيطانية في تل الرميده، والدبويا، ومدرسة «أسامة بن المنقذ» وسوق الخُضَر، والاستراحة السياحية قرب الحرم، إضافة إلى التجمع الاستيطاني اليهودي على حدود المدينة الشرقية المعروف باسم «كريات أربع».
صحيح أن السعي الإسرائيلي إلى تهويد أجزاء من الخليل، وخاصة الحرم الإبراهيمي، بدأ بعد النكسة مباشرة، لكن المجزرة التي ارتكبها باروخ غولدشتاين عام 1994 شكّلت حدثاً مفصلياً في تاريخ المدينة؛ إذ أسست لـ«اتفاقية الخليل» الملحَقة بـ«أوسلو».