الصمت الحزبي حين يصبح خطيئة وطنية

نبض البلد -
أحمد الضرابعة


ما الذي يعنيه امتناع بعض الأحزاب السياسية "الأردنية" عن إدانة عملية الرابية التي حدثت فجر الأمس ؟ ولماذا اتخذت وضعية الهدوء الحذر في لحظة وطنية لا مجال فيها للتورية أو المواربة في المواقف ؟ وكيف تدّعي حرصها على الأردن في الوقت الذي نرى فيه أن شؤون بلدنا الوطنية خارج قائمة أولوياتها واهتماماتها؟

لن نتّهم حزباً سياسياً في وطنيته، طالما أنه مُرخَّصٌ بحكم القانون، ولكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى وجود بضعة أحزاب سياسية معروفة، تُمعن بكل صراحة في التخلي عن الشأن الوطني، وإدارة ظهرها له، بل وتتصرف على الأرض الأردنية كما لو أنها لا ارتباط لها فيها، ولا هم لها على مصيرها، وفي الوقت نفسه، تتفاعل باستمرار مع مختلف القضايا خارج الحدود، وتُسارع لمواكبة أي حدث إقليمي وإعلان الموقف منه، وتُعلن الولاء والطاعة والانتماء لأفكار وشخصيات وجماعات وأنظمة متعددة، لكنها عندما يتعلق الأمر بالأردن، تترفع حتى عن مناقشته ولا تُكلّف نفسها في إصدار بيان تُوضّح فيه مواقفها تجاه ما تتعرض له البلاد التي يُفترض أنها تنتمي إليها!

مثالاً على ما أقوله، تعمّد أحد الأحزاب السياسية التي أُشير إليها، نشر دعواته لحضور مهرجانات كرنفالية لا تُسمن ولا تغني من جوع، في مشهد عنوانه التخلي عن الالتزام بالمسؤولية الوطنية، في ذروة صعود عملية الرابية شعبياً وإعلامياً، وفي ظل الحاجة لرفع مستوى التضامن الوطني عبر إدانتها من كافة القوى السياسية دون أي تردد. هذه ليست حالة فردية يمكن التغاضي عنها، بل نهج قديم قائم بذاته، وسبق أن تطرقت إليه في ظروف مماثلة

الأحزاب السياسية "الأردنية" التي تتبنى نهج الاستدارة عن الشؤون والقضايا والتحديات الوطنية، من الضروري أن يتم إخضاعها للمساءلة الشعبية، وحتى القانونية، فمن حق الأردنيين التأكد مما إذا كانت هذه الأحزاب تنتمي بالفعل إلى الجماعة الوطنية التي تحتويهم، أم أنها لا تؤمن بهذه الجماعة أصلاً، خاصة أن لها سوابق كثيرة في الخروج عنها وتجاوز مصالحها.

أعتقد أنه ليست هناك أعذار لأي حزب سياسي يتخلف عن المساهمة في الدفاع عن المصالح الأردنية، ولا يُقبل بأي حال، أن يكون الأردن في ذيل قائمة الأولويات لكل من يؤمن بهويته الوطنية، أو يدّعي إيمانه بها، خصوصاً في مثل هذه الظروف، التي يجب أن تتوحد فيها جميع القوى السياسية والحزبية من مختلف التوجهات، لتقف على أرضية مشتركة واحدة، يكون عنوانها الأردن أولاً، وكل حزب سياسي مُطالب أن يتلزم بهذا الثابت الوطني، وأن تكون مواقفه وخطاباته منسجمة معه، لا لشيء، وإنما فقط لتأكيد ولاءه للبلد الذي سمح له أن يمارس على أرضه العمل الحزبي والسياسة، وحتى لا يكون حضوره في الساحة الحزبية مجرّد زُحام لا فائدة تُرجى منه، ولا يؤدي إلا لاستنزاف رصيد الثقة في مشروع التحديث السياسي برمّته، ومستقبله.