الجزء الأول
د. ندى جاسم المهداوي
المدرسة هي الركيزة الأساسية في دعم الشخصية التي كونتها الأسرة ودفعت بها إلى ميدان التعليم ، فهي المؤسسة التربوية الأولى التي تتعمق فيها الجوانب التربوية والأخلاقية والدينية للطالب فضلا على التعليم . وهي مركز أشعاع المجتمع بأسره ، الذي تصقل فيه شخصية الطفل وتعمق في نفسه مبدأ الانتماء الوطني ، التي ينشدها المجتمع ، ويتطلبها المستقبل في إعداد الجيل القادر على تحمل مسؤولياته ومجابهة تحدياته المختلفة.
وتعتبر المدرسة بمثابة الحصن الحصين للطفل التلميذ والطالب ، تجاه كافة التحديات والمخاطر التي تفرزها العولمة الثقافية . وبالطبع فان ذلك يتحقق فقط عندما يتم انتقاء وتأهيل إدارتها بشكل متقن وفق معايير محددة ، ليتمكن المدراء من رسم رسالة المدرسة ، وأهدافها بالتخطيط السليم القادر على المجابهة السليمة لتحديات العولمة الثقافية. فعدم التسلح بقيم المجتمع وتقاليده الأصيلة ومثله العليا في عصر العولمة من قبل الإدارات المدرسية ، وعدم إعطاء التربية الدينية والوطنية السليمة الحجم والوقت والأسلوب الكافي لغرسها وتأجيجها في نفوس الطلبة. فان ذلك يزيد من مخاطر وتحديات واختراقات العولمة الثقافية ، فيسهم كل ذلك في تفشي السلوكيات والمظاهر الاجتماعية والأخلاقية التي يسعى الغرب لتسويقها بواسطة العولمة الثقافية . وبالتالي فان ذلك يفضي إلى تهاوي المجتمع بمرور التقادم الزمني.
ويعتبر مدير المدرسة المسئول الأول الذي يوجه كافة أنشطة المدرسة ويشرف عليها ويتابع تنفيذها ، وهو الذي يوجه العاملين بالمدرسة ويتابع أعمالهم ويقيمهم . كما إن على مدير المدرسة أن يتابع كل المتغيرات العالمية ، وان يتسلح بالمعلومات ، ويعايش ثورة المعلومات والاتصالات.
وتستهدف العولمة الثقافيةالترويج لفلسفة النظامالغربي الرأسمالي ،وفرض الثقافة الغربية الوافدة ،وجعلها في محلالصدارة والهيمنة فيالعالم وقهر الهويةالثقافية للأمم والشعوب ، فالنظم والقوانينوالقيم الأخلاقية يجبأن تستمد وجهةنظرها من الفلسفة الماديةالمناهضة للعقائد والشرائعالسماوية. ولعل أخطر تأثيراتهايكمن في أنهاتخترق البنية الثقافيةالمحلية ،بما يستهدف محو الهويةالحضارية الثقافية للأمة، ونزع الخصوصيةالشخصية للشعوب. وبالطبع فان تركيزهابشكل أساسي يكونعلى شخصية أطفالناوشبابنا ،عبر الإعلام المهيمن والمبرمج، من خلالالشبكات الفضائية والعنكبوتية، لتدخل إلى بيوتاتنادون استئذان ،فتتدخل بحياتهم فيمحاولة لتبديل تقاليدالأسرة العربية إلى الثقافةالمستوردة.
وفي ضوء التحديالإعلامي والغزو الثقافيالذي نشهده اليوم، لابد منالوقوف بجد أمام التأثيرات الانعكاسيةالسلبية على ثقافةوسلوك الطلبة الذينيقضي الكثير منهم اغلبأوقاتهم ليستقوا منالفضائيات التلفازية والشبكةالعنكبوتية ما هوموجه لهم في تنمية السلوكالمنافي للعقيدة الإسلاميةوالأعراف الاجتماعية. وهنا تبرز المسؤولية الكبيرة للمدرسة في هذه المجابهة ، خاصة وان ثقافة العولمة قد فرضت نفسها على الأسرة العربية فرضا قسريا ومباشرا ، فيبرز الصراع واضحا بين إرادتين متناقضتين لا يمكن التوفيق بينهما.
إرادة دفاعية تتمثل في الركائز والأسس التي شكلت مقومات المجتمع في عالمنا العربي ، وبين قوة هجومية تمثلت في العولمة الثقافية التي تستهدف تهديم هذه الركائز وتهشيم الهوية الانتمائية وتحطيم كل أواصر الارتباط القائمة في المجتمع . هذه القوة الهجومية المعتدية التي ما زالت تسعى وتطور وسائلها وأساليبها من اجل قهر الثقافة الإسلامية وإحلال مناهج ثقافتها بدل عنها. وبسبب ارتباطها بتعاظم ثورتي الاتصالات والمعلومات ، فأصبح نفوذها مخترقا لكل الحواجز.
وترتكز أدوات العولمة الثقافية على تلك المؤثرة في العقل والنفس والفكر والعقيدة ، ومنها الفضائيات بالأفلام والمسلسلات ، الانترنت بالمواقع الثقافية والإباحية ، الكتاب ، الكلمة ، الندوة ، المحاضرة ، التعليم ، الثقافة ، الفنون ، النظريات ، وسائل التبشير، وغيرها.
وبالطبع فانه من الصعوبة بمكان ، إن لم نقل استحالة وقف هذا الاختراق والغزو الثقافي أو الهجوم ألقيمي بالطرق التكنولوجية المتاحة لدينا الآن نحن المدافعين ، على العكس مما كنا نمتلكه في السابق من وسائل التشويش ضد البث الإذاعي الموجه. وهذا ما أعطى لطرف الصراع الغربي ميزة القوة والسيطرة والنفوذ والهيمنة على مقدرات مجتمعات أخرى.
وان اخطر ما في العولمة أنها تنشر أفكارا وسلوكيات من شانها تحطيم الولاء للقيم التراثية والدينية الأصيلة ، والولاء للوطن والأمة ، وإحلال أفكار وولاءات جديدة محلها وكذلك فهي تستهدف التشكيك في العديد من قناعات الإنسان الدينية وهويته الثقافية.
ولكن من باب آخر فعلى الرغم من كل هذه المخاطر التي رافقت العولمة الثقافية ، إلا أننا يجب أن نعترف بان الانفتاح على الثقافات لا يشكل عيبا أو حالة وهن بشكل مطلق ، بل على العكس فان الاطلاع عليها يمكن أن يغنينا بالمزيد من المعارف المفيدة ، بل أننا بحاجة حقيقية إلى التطور والتفاعل والمواكبة مع الحياة المعاصرة ، وذلك يتحقق فقط في ظل التبادل والتوازن الثقافي، وليس في ظل السيطرة الأحادية والهيمنة الثقافية ، فذلك بالتأكيد يشكل خطورة. فلا بد من التعامل مع العولمة في إطار الهوية الثقافية والأخذ بالجوانب الايجابية منها ونبذ ما يلغي هويتنا وقوميتنا. فللعولمة مزايا مثلما لها مساوئ ، ومن ايجابياتها مثلا التطور الكبير في مجال التكنولوجيا ووسائل الإعلام والاتصال ، وما نتج عن ذلك من تقريب المسافات بين أجزاء المعمورة وإشاعة المعرفة.