عصام الغزاوي
تدمير وفقدان أي إرث تاريخي وحضاري هو إنتقاص من تراثنا الإنساني ويؤلم كل نفس بشرية حرة وحضارية، لأن الإرث الحضاري قاسم إنساني مشترك وملك للبشرية جمعاء بغض النظر عن البقعة الجغرافية التي يقع فيها، وعلينا الفصل بين مواقف الدول السياسية وإرثها الإستعماري وبين ارثها الحضاري، لقد خسرت البشرية كنوز العلوم والآداب عندما دمر المغول مكتبة بغداد والقوا بمحتوياتها في نهري دجلة والفرات، وكذلك عندما نهب الصهاينة محتويات المتحف الفلسطيني في القدس الشريف واحرقوا المسجد الأقصى ومنبر صلاح الدين، وعندما تم تفجير تماثيل بوذا (باميان) في أفغانستان وعندما نهب الغوغائيون محتويات متحف بغداد، وعندما دمر الإرهابيون الكنوز الأثرية في متحف الموصل وحضارة مدينة النمرود والحضر والثيران المجنحة وبوابة نركال وسور نينوى الاثري ومرقدي الإمامين في سامراء والمسجد النوري والمئذنة الحدباء في الموصل التي شيدت عام 1172، ومسجد حلب الاموي الذي بني عام 716، وواجهة المسرح الروماني وقوس النصر والتترابيلون التي تُعتبر من أشهر الصروح في مدينة تدمر الأثرية، والعديد من المساجد والكنائس والمراقد الأثرية في سوريا والعراق، وفي مساء يوم الاثنين فجع العالم بإشتعال النيران في اجمل واعرق واقدم كاتدرائية في أوروبا وفرنسا، كاتدرائية النوتردام، التي بدأ بناؤها عام 1160 وإستغرق اكثر من قرن، لم يكن حادث الحريق الأول في تاريخ الكاتدرائية لكنه الأضخم، فقد تعرّضت عبر التاريخ لعدة أعمال تخريبية وتحديداً خلال الثورة الفرنسية وتم اعادة ترميمها... يجب ان يفهم البعض ان حُزننا وتأثرنا على حريق كاتدرائية نوتردام هو كحزننا وتأثرنا عَلى فقدان أي رمز او إرث حضاري لا يُقدر بثمن، وشخصياً اعتبر حريق نوتردام خسارة مؤلمة للحضارة البشرية كنت اتمنى عدم استخدامه في غير موضعه سياسياً او عقائدياً لبث الكراهية بين الشعوب.//