بلال العبويني
في البدء، أعترف بخوفي من أي حراك يستهدف الإطاحة برأس النظام في أي بلد عربي، وذلك الخوف ليس مرتبطا بأن تلك النظم تمثل النموذج الذي يجب أن يظل سائدا.
بل يرتبط أولا وأخيرا بالمجتمعات العربية التي لم تستطع عبر تاريخها من إنتاج مؤسسات مجتمع مدني قادرة على تقديم برنامج قابل للحياة ليكون بديلا عن تلك البرامج القائمة.
وفي ذلك محظور كبير يستهدف وحدة المجتمع ووحدة الجغرافيا التي يسعى الاستعمار القديم الجديد لإعادة رسمها من جديد عبر تقسيم المُقسم إلى دويلات طائفية أو عرقية متصارعة.
إن أخطر ما قد تتعرض له دولة غير التقسيم الجغرافي، هو ضرب البنية المجتمعية لتلك الدولة بحيث يتحول ساكنوها إلى مجموعات يتملكها الحقد، عندما تتفشى الصراعات المسلحة بينها وتتوزع الولاءات على أمراء حرب وتجار دم، ما قد يسهل استقطاب هؤلاء من قبل قوى خارجية إما تحت إغراءات المال أو الدعم الموهوم بتحقيق النصر.
السودان، تبدو بيئة خصبة لخلق انقسامات عرقية، ولها تاريخ طويل من الصراعات التي تستهدف الاستقلال سواء في دارفور أو غيرها، فثمة أطراف تسعى اليوم للسير على خطى جنوب السودان للظفر بدولة مستقلة أو حكم ذاتي على أقل تقدير.
بالتالي، فإن الخوف هنا يجب أن يكون مشروعا وذلك بالنظر إلى الحالة العربية التي أشرنا إليها آنفا، كما أن الحديث هنا عن مقارنة النموذج السوداني بالتونسي ليس دقيقا البتة باعتبار أن لكل من الدولتين تاريخا وخصوصية تختلف جذريا عن الأخرى.
لذلك، فإن الثورة التونسية وما آلت إليه تطورات الأوضاع قد لا تنتج حالة ديمقراطية وحرية كما يطمح إليها كل من خرج إلى الشارع أو اعتصم أمام مقر القيادة العامة المسلحة في الخرطوم.
فتطورات الأمور، وبالنظر للتاريخ، قد تفضي إلى صراعات مسلحة وفوضى على الطريقة الليبية التي ما زالت تتوالد فيها الأزمات تباعا، ودون أي بصيص أمل منظور لتعود موحدة جغرافيا واجتماعيا كما كانت في السابق.
والحالة السودانية، إن لم تفض إلى النموذج الليبي، فإنها قد تسير على خطى النموذج السابق في حكم العسكر دون أن يكون للحرية المنشودة مكان في العهد الجديد، بل وربما قد تدخل في عهد أكثر قسوة وقمعا عن الذي سبقه عندما يلجأ الحاكم الجديد لفرض القوة لتثبيت حكمه.
لذلك، وبالنظر للخصوصية السودانية، فإن الأمل ضعيف في أن يتولى المدنيون مقاليد الحكم قريبا، وحتى وإن تولوا؛ فليس من المؤكد الحكم على تجربتهم بالنجاح، ذلك أن نفوذ العسكر متغلغل في مفاصل الدولة منذ زمن ولن يكون من السهولة بمكان منح مطلق الصلاحيات لرئيس مدني لا يستند إلى القوة الشعبية أو المؤسسية اللازمة لحمايته من أي محاولات انقلاب.
ثمة دول ستدخل على خط السودان سواء أكانت غربية أو أجنبية ومنها إسرائيل بالمناسبة، وثمة من يقول إن هذا قد بدأ بالفعل، عندما يشير إلى تنازل رئيس المجلس الانتقالي الفريق بن عوف عن منصبه وتكليف الفريق عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان خلفا له، ويستند أصحاب هذا الرأي في ذلك إلى أن البرهان كان مشرفا على القوات السودانية التي تقاتل الحوثيين في اليمن.
قلنا، إن بعض الأنظمة القائمة ليست نموذجا، غير أن الواجب على من يسعى للتغيير السعي الدؤوب لبناء نموذج جديد يكون بديلا وقابلا للحياة، وليس التذرع بانعدام الحرية الكاملة لتحقيق ذلك إلا مؤشر انهزام وانخراط في مشروع تدمير البلاد بدعم من قوى الشر الخارجية.//