في الدول المتحضرة وحيث يشعر أبنائها بالآمان الوظيفي لا يوجد أي فرق بين الوظيفة في القطاع العام أو في القطاع الخاص، وحيث أنه في الأردن هناك جزءً كبيراً من القطاع الخاص العمل به يوازي أو يفضل العمل به على القطاع العام إلا أنه هناك وللأسف قسماً آخر في نفس القطاع لا يوجد به أدنى حدود الآمان الوظيفي مما يجعل أبنائنا يرفضون العمل بهذه المؤسسات وتترسخ لديهم فكرة تفضيل العمل الحكومي.
في القطاع العام حيث يوجد ديوان الخدمة المدنية والذي تنحصر مهامه في تسجيل أسماء الأردنيين الباحثين عن عمل في هذا القطاع وتنظيم هذه السجلات حسب الإختصاص والشهادات وترتيب الدور حسب عدد من المعايير وإلتقاط الشواغر الحكوميه ورفدها من هذه القوائم المتوفره، علما" أن وظائف القطاع العام التي يتم إشغارها أغلبها هي في وزارة التربية والتعليم وبطريقة أقل في وزارة الصحة، ذلك لأن القطاع العام هو مشبع بالأصل.
من يجدون الوظيفة عن طريق ديوان الخدمة لا يتجاوز وفي أحسن الأحوال عدد 10 آلاف وظيفة من أصل 380 ألف طلب تقريبا" مسجلين حاليا" لديه أي ما نسبته 2.5% من المسجلين كليا" وهذه النسبة مصيرها النقصان لتزايد عدد الخريجين مستقبلاً والذين سيتجاوزتعدادهم سنوياً 70 ألف خريج من الأردن والخارج، إضافةً لحوالي 30 ألف شخص هم ما دون شهادة البكالوريوس معاهد وتوجيهي ودون التوجيهي، اي ما مجموعه 100 الف أردني جديد هم الباحثون الجدد عن العمل سنوياً حسب الإحصاءات الحالية.
القطاع الخاص يقدم حوالي 35 ألف فرصة قسم كبير منها على الأقل 10 آلاف تذهب للعمالة الوافدة، يتبقى للأردنيين مع المبالغة حوالي 25 الف فرصة ليكون مجموع ما يقدمه القطاعين بأحسن الأحوال 35 ألف فرصة عمل سنوياً، الفرق بين الرقمين هوبحدود 65 ألف عاطل جديد عن العمل، ينضمون إلى سوق البطالة سنوياً، رقم فظيع بحق!!
السؤال الذي يطرح نفسه عفوياً: إلى أين نحن متجهون؟
رئيس الوزراء يؤكد على أنه ستكون هناك 30 الف فرصة عمل وأغلبها طبعاً في القطاع الخاص، وهي غير الوظائف التي يمنحها السوق الأردني بالمعتاد، وهو عندما يتحدث عن وظائف بالتأكيد لا يفرق إن كانت هذه في القطاع العام أو في القطاع الخاص لأنه وبإعتباراته وكما يحدث في أغلب دول العالم الوظيفة يجب أن تمنح نفس الآمان الوظيفي لمن يشغلها ويجب أن نكون متأكدين بأن هذا الشعور يجب أن ينتاب من يحصل على هذه الوظيفة ويجب أن يعرف أنه اليوم لا فرق يوجد بينه وبين زميله الذي يحصل على الوظيفة الحكومية.
إذا" ديوان الخدمة المدنية ما الفائدة من وجوده؟
لماذا لا يكون هو نفس الديوان الذي يهتم بتشغيل الأردنيون والأردنيات؟
الاردنيون وبطبيعتهم وبوجود ديوان الخدمة المدينة يتصورون ان الوظيفة الحكومية هي حق بمجرد التخرج ووجود الديوان يعمق هذه الفكرة وهذا له علاقة كبيرة بالدولة الرعوية التي ما زال يتصورها الكثيرين من ابنائنا وهذا من شأنه أن يقلل من اهتمام الشباب بتنمية مهاراتهم.
فكرة ديوان الخدمة المدنية بوضعه الحالي ولا أتكلم عن كادره وطاقاته وإنما عما يقوم به هي فكرة بالية وعفا عليها الزمن وهي أقرب ما تكون إلى فكر الدولة السوفيتية التي لا يوجد بها قطاع خاص.
لقد أصبح من الضرورة تحديث الديوان ولديه من الخبرات ليصبح ديواناً لتشغيل الأردنيين في القطاعين العام والخاص أو حتى لتشغيلهم في الخارج ليصبح ديوانا" لجميع الكفاءات الأردنية والبحث لهم عن فرص عمل حقيقية وهذا ما يرجوه كل الأردنيين، لماذا لا نتعلم من تجارب الآخرين؟ دول الإتحاد الأوروبي لا يوجد بها ما يسمى ديوان الخدمة وإنما أقرب ما يكون إلى ديوان التشغيل، نحن نستطيع خوض التجربة وأيضاً تحسينها إن أردنا ذلك.
هذه الفكرة طرحتها عندماً كنت رئيساً للجنة العمل والتنمية الإجتماعية في مجلس النواب الأردني ولكنني أعتقد أن الظرف الحالي هو أنسب ما يكون لهذا التحول، خاصة" وأنه تبرز اليوم المبررات لذلك أكثر من أي وقت مضى.
لا بد أيضا" وللوصول لذلك، من مساعدة الشركات الصغيرة والتي لا تستطيع إعطاء العاملين بها الضمانات والتأمينات المشروعة والتي تسبب بالأصل إبتعادهم عن العمل في هذا القطاع يجب تحفيز هذه الشركات لمنح العاملين بها هذه الحقوق وتحفيزهم للتشغيل عن طريق ديوان التشغيل مثل منح بعض التسهيلات والتي تتعلق بالضرائب وبمقدار هذه التأمينات وهنا لا بد لي من الإشارة إلى ضرورة تخفيض إشتراكات الضمان والتي هي رفعت بالأساس لتغطية التأمين الصحي وهو ما لم يعمل به، لذلك فإن الإشتراكات التي تؤخذ حاليا" تؤخذ على غير حق ومن الضرورة بمكان تعديل هذه المادة في قانون الضمان الاجتماعي.
مكاتب العمل المنتشرة في المملكة يجب أن يكون لها دور في هذا التطور ومن الممكن أن تصبح فروعاً لديوان التشغيل، لأن ذلك سيساهم بحلول أكثر مريحة للعاطلين عن العمل، تصوري لهذا الديوان هو نابع من قناعتي أن ديوان الخدمة المدنية ومع تزايد عدد الخريجين سيواجه بعد قليل من الصعوبات التي لن يكون من السهل حلها.
هذا الإقتراح هو ليس فقط لتنظيم وربط المسائل بالواقع الذي نعيشه، بل لأنه سيسهل الكثير من الأمور على حكومتنا ومن شأنه أيضاً تخفيف مستوى البطالة بين أبنائنا، وستخفف من وتيرة الواسطة والمحسوبية ليحل محلها العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين الجميع.