الكراهية والاقصاء واغتيال النواب المستقلين

نبض البلد -

وليد حسني

تحول النظام الداخلي لمجلس النواب الى لعبة لدائنية لدى النواب بعد أن تعود المجلس على طرح نظامه الداخلي للتعديل في نهاية كل دورة عادية، وكأنما نعيش في مرحلة التجريب، والإختبار، دون أية ثقة بأن ما انجزنا تعديله بالأمس سيصمد الى الدورة المقبلة.

ولست هنا بصدد كتابة سيرة ذاتية للعبة التعديلات والتجريب التي قد تصل في بعض تفاصيلها الى حد الفضيحة، ولكوني لست من هواة "السياسة الفضائحية " فسأضرب صفحا عما يمكن له ان يشكل إيذاء لنواب يعتقدون ان حساسيتهم للفضائح أعلى بكثير من حساسية ناخبيهم.

وسأتوقف عند حالتين فضائحيتين فقط فرضتهما التعديلات الاخيرة على النظام الداخلي لمجلس النواب التي سيستكمل النواب اقرارها اليوم.

في الحالة الأولى رضي النواب على أنفسهم قوننة إقصاء النواب المستقلين البالغ عددهم في هذه الدورة 14نائبا ويشكلون ما نسبته (10,77 % ) من مجموع أعضاء المجلس.

ورضيت الأغلبية النيابية إقصاء زملائهم وحرمانهم من عضوية اللجان الدائمة أو تمثيلهم في المكتب التنفيذي او في لجان الأخوة وغيرها من الهيكليات الشرفية المتعددة.

هذا القرار يصادر ضمنا الحق الطبيعي لأي نائب بأن لا ينتمي الى اية كتلة برلمانية، ويصادر حقه بالاعتراف به ضمن الهيكليات الإدارية التنظيمية العليا داخل المجلس، والأهم من ذلك كله انه يفرض على النائب الإنتماء غصبا وجبرا لكتلة برلمانية أيا تكن هذه الكتلة.

ولربما أرى في هذا القرار الغريب روحا إقصائية واضحة تسيطر عليها صبغة كراهية تطل برأسها ولا تخشى إخفاءه عن الأعين، والأهم أنه قرار لا يمت للديمقراطية بصلة، والأكثر أهمية أنه يلغي الحق الطبيعي للنائب باختيار أن يكون وأين يقف.

وأنا أدرك تماما أن الكتل النيابية ما هي إلا تجمعات لا يحكمها برنامج او قانون او حتى نظام حقيقي يمكن الركون اليه في محاسبة اية كتلة او تقييم ادائها ومواقفها، فقد ظلت الكتل النيابية تتشكل وتتلاشى وهي ترتبط إما بمصالح ترتهن للشخص الواحد، أو لغايات إنتخابية انتفاعية، او للبحث عن مكانة في محيط هلامي لا يظهر الا موسميا ومع مطلع كل دورة عادية، لتعود تلك الكتل وتتلاشى وتصبح أثرا بعد عين.

ولي ان اتفهم قرار مجلس النواب باقصاء النواب المستقلين لو ان النواب جميعهم وصلوا لخاصرة العبدلي عن طريق الأحزاب، لكنهم "باستثناء كتلة الإصلاح الإسلامية" جاءوا جميعهم بترشح فردي مستقل، وهو ما كان ولا يزال يمثل أس البلاء في تجربتنا الديمقراطية منذ سنة 1989 وحتى اليوم.

ولا ادري كيف رضي النواب على أنفسهم إقرار مثل هذا التعديل "الكاره لزملائهم المستقلين" والذي تتمثل فيه كل مظاهر الإقصاء واغتصاب حقهم ، في الوقت الذي يظهر المجلس فيه وكأنه يعيش حالة انفصام حقيقي بين كونه برلمانا ديمقراطيا جاء بانتخاب حر مباشر وعلى أسس شخصية ومستقلة، وبني كونه برلمانا ديمقراطيا يريد فرض نوع من التكتل المستند الى قوائم انتخابية وببرامج واضحة وهو ما تفتقده أصلا كل الكتل البرلمانية في المجلس الحالي.

ولست هنا بصدد التوسع في مضار مثل هذه الروح الإقصائية التي لا تخلو من عواطف الكراهية المبطنة للنواب المستقلين، مما يدفعني فعلا للانتقال سريعا الى الفضيحة الثانية المتمثلة بتنازل النواب عن حقهم الطبيعي في المشاركة بالانتخاب المباشر لعضوية اللجان الدائمة وغيرها والتنازل عنها لصالح المكتب الدائم مع منح الكتل النيابية سلطة داخلية تتمثل بتسمية اعضائها لعضوية اللجان وغيرها وبالنتيجة فالمكتب هو من سيتولى توزيع الأدوار والاختيار.

هنا تكتمل الفضيحة تماما، خطاب كراهية مبطن للنواب المستقلين، وإقصاء مقونن للنواب الذين لا يرون في الكتل القائمة ما يتوافق وموقفهم وتوجهاتهم، وإجبار للنواب على الانتماء لكل هلامية كانت ولم تزل مجرد صيغ لتجمعات هلامية لا يحكمها نظام، ولا يقودها برنامج وتنازل اختياري من النواب عن حقهم بممارسة ديمقراطية الانتخاب والتنافس المباشر وتفويض مقونن لحقوقهم للمكتب الدائم.

ما تشهده تعديلات النظام الداخلي لمجلس النواب تمثل انتهاكا لحقوق النواب، لكنها تمثل في وجهها الآخر صورة الناخبين وعلاقتهم بالسلطة.. وما أشبه الشبيه بالمشبه به.//