نبض البلد -
أصدقائى الأعزاء
أكتب إليكم اليوم كلاماً نابعاً من الأعماق... أشعر بأن كلمة من كلماته قد أخترقتنى وهزتنى من الداخل لدرجة الإرباك والإرتباك... إخترت اليوم أن أخاطبكم بمزاجى وما أحب وما أشعر به فى تلك اللحظة... كتبت لكم عن الحب والحرب والوطن، ولم أشأ أن أكتب لكم عن السلام... خططت لكم عبارة أخيرة أوجهها فقط لوطنى وليس لأحد منكم وأنا أبكى بكاء السنين، تذكرت فقط وأنا أدون تلك العبارة الأخيرة الخاصة بوطنى باكية سؤال الأديب (غسان كنفانى) فى روايته "عائد إلى حيفا"، حينما سئل: أتدرين ما الوطن يا صفية؟... وترك الإجابة بعدها مفتوحة للتأمل، وإليكم نص كلماتى اليوم:
لِما تخافين الحب أكثر من الحرب؟، سؤال جعلت إجابتى عليه أن جروح الجسد الناتجة عن الحرب تعالج بالأدوية والمسكنات وقد تختفى مع السنين، لكن يا سيدى فلا علاج لكل آلام الروح وجروح الحب، لذا... فالحب أقسى وأشد وطأة وألماً من كل آلام الحرب
صرخت فى وجه من كنت حقاً يوماً أُحِبْ، قائلة: أنت اليوم كحبيب غريب علىّ... كُنا بالأمس عاشقين يتغزل بعشقهما أى مار فتن به، ومع كثرة الحوادث وضيق الخناق لم نألف حتى مواثيق الرفقة وحسن الجوار... فأنا اليوم حقيقةً لم أعد أُحِبكْ أو أكرهك... فالحب والكره شعور يعنى أنه (ربما) مازال بداخلى شيئاً لك، وصدقاً يا معذبى فأنا لا أجدك اليوم لا فى قلبى ولا نفسى أو حتى يمكن أن أفتش أو أبحث عنك بين ثنايا أو خلايا عقلى!
هل أنتِ ضحية حب أم وقعت ضحية لفخ حرب؟... أعتقد أن قوانين الحرب أكثر وضوحاً من كل أسلحة الحب... فقد أدرك مبكراً كل المحبين أنه لا سلاح ممنوع ولا قوانين تمنع مهاجمة الحبيب أو تدفق المشاعر
هل الحب أشد فتكاً وتدميراً أم الحرب؟... وفى إعتقادى فإن الحب كفيل بتدمير أسوارنا وكل ما يقف فى طريقه حتى نصبح ملكه للأبد
هل هناك مقدمات للحب كما للحرب؟... كان واحداً من أعمق تلك الأسئلة التى وُجِهت لى، وأنا أعتبرت أن مقدمات الحرب هى أن تعلن دولة على أخرى القتال، ولكن الوضع مختلف يا سيدى فى الحب، حيث يحتلك حبيبك بلا مقدمات وبلا تحذير مسبق أو سابق إنذار... وكان ذلك حالى فعلاً مع من أُحِبْ!
ما الفرق بين شهداء الحُب وشهداء الحرب؟، كان واحداً من أصعب الأسئلة التى وُجِهت لى، إلا أن الظروف جعلتنى أدرك مبكراً أن شهداء الحرب يكرمون فى محافل وذكرى تليق بهم وبأمجادهم فى خدمة قضايا أوطانهم الجليلة، بينما الوضع مختلف مع شهداء الحب، فقد تموت يا سيدى من الحب ولا تجد حبيباً يترفق بك أو حتى يقيم لك جنازة تليق بك وبحبك له
كيف تفرقين يا سيدتى بين الإحتلال فى الحب والحرب؟... الفرق كبير حقاً يا سيدى، فلقد أدركت منذ الوهلة الأولى لوقوعى فى الحب أن الإحتلال فى معركة الحرب جزئياً، بينما إحتلال الحب يصير كلياً حيث لا رحمة ولا هوادة ولا مجال لأى شفقة تُأخذ أو تترفق بك
ما هو أصعب ما فى الحب عما هو عليه الحال فى الحرب؟... سؤال جعلت إجابتى عليه من واقع تجربة شخصية بأنه قد يكون من يقاتلك هو نفسه من تحب... وتلك هى جُلْ المأساة
هل يوجد وجه للتشابه بين الحب والحرب؟... وأنا أعتقد أن التشابه الوحيد بينهما هو ذاك الحصار القاسى من كل الجبهات حتى يقع الإستسلام... فما بين الحب والحرب أيام قتال عنيف... وأيام هدنة هادئة دافئة
أيهما أكثر وضوحاً لديك الحب أم الحرب؟... سؤال أجبت عليه بمنتهى البساطة بأن الحرب ربما كانت أكثر وضوحاً ونزاهة من الحب حيث تظل الذات مملوكة لنا... بينما فى الحب نتوه وتضيع ذواتنا وأحلامنا معنا
أيهما أكثر ترحيباً من جانبك... الحب أم الحرب؟... سؤال رددت عليه بلا أدنى تردد بأننى أفضل أن أكون ضحية حرب ولكن لا أتمنى أبداً أن أكون ضحية حب!!... فالحرب جحيم وقتى، بينما الحب جحيم أبدى
متى بدأ جحيم الحب والحرب؟... لقد بدأ كلاهما يا سيدتى فى اللحظة التى عندما بدأ الجحيم بفتح أبوابه
ماذا بعد إنتهاء الحرب والحب؟... النهاية يا سيدتى مختلفة حيث أنه بعد الحرب يتكاثر عدد الأبطال، بينما الوضع يظل مختلفاً بعد انتهاء علاقة حب حيث يزيد بعدها عدد الضحايا
ماذا تفعلين عند ذهابك منفردة سواء إلى حرب أو حب جديد؟... ضحكت وتفلسفت هذه المرة، وأجبت بأن الأمر بمنتهى السهولة حيث أنه عند ذهابى إلى الحرب أو إلى الحب... فقط كل ما أصنعه هو أننى أحكم إغلاق الباب ورائى
ما أجمل حب عشتيه؟... بكيت وأنا أحكى أن أجمل ما حُفِرَ فى ذاكرتى من حب هو كف أمّى التى عوّدتنى أن تربت على رأسى حتى تغلّف عيونى أحلام سعيدة، وأشياء جميلة قريبة منّى أو بعيدة
صفى لى تجربتك فى الحياة؟... أغمضت عيناى وسرحت أحكى... كان لبطء الأحداث جمالها، ولبعد المسافات دورها وأبعادها، ولغموض بعض القصص رونقها وجمالها، لكن مع مرور الوقت أصبحت حقائق الأشياء تخذلنا، وقصص البعض منّا لا تغيب عنّا وتؤلمنا
جلست يوماً أتصفّح هاتفى المحمول، أتوه بين عناوين الأخبار وقصص الحروب فى جُلَ جُلَ أوطاننا... وتذكرت فجأة أن ثمّة شيئان يجمعان بين كل حب وحرب، إنّها الأيام وإنّهم هؤلاء البشر والناس
وأخيراً ، بكيت طويلاً طويلاً حينما سُئِلت، هل أَحبكِ الوطن يوماً ما؟... وأنا حقيقةً لم أعد أدرى إذا ما كان الوطن أحبنى يوماً وأنا تلك المريضة وأنا الصغيرة وأنا الجريحة فى حبى وأنا الضعيفة المنكسرة الحزينة؟... لا أعلم صراحةً هل أحبنى ذاك الوطن نفسه؟... فلعنةً أن تولد فى وطن كهذا ستطاردك حتى يوم مماتك، وستلاحق بعدها أطفالك، لعنة أن تعيش فى وطن تعيس لا يبالى بك لا يسأل عنك، وطن ينتظر حبك ويبادلك القهر... ومن هنا، فأنا أعلن يا سادة بكل صراحةً ووضوح أننى الآن حقيقةً لم أعد أدرى هل أُحِبَ وطنى حقاً، وهل واجب علىّ أن أعاتبه عن كل ما صرت أو صرنا إليه لا يهم؟، أم يجب أن أحبك هكذا يا وطنى بكل نواقصك وعيوبك؟... فذاك هو أكثر ما عجزت عن إجابته منذ مجيئ إلى الحياة!