حاتم النعيمات
وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرابع والعشرين من الشهر الجاري أمرًا تنفيذيًا يعلن من خلاله تصنيف بعض فروع جماعة الإخوان المسلمين كمنظمات إرهابية. الخطوة يمكن اعتبارها ذروة المواجهة الاستراتيجية مع شبكة عابرة للحدود للتجنيد وجمع التبرعات، وأكد نص القرار على أن الهدف من القرار هو "ترسيخ الاستقرار في الشرق الأوسط والحفاظ على مصالح واشنطن وحلفائها:، وبهذا تعلن واشنطن انتهاء علاقة استمرت لعقود مع التنظيم بالضربة القاضية.
على مستوى المنطقة، ورغم أن التنظيم كان يهادن ويتحالف مع الأنظمة السياسية في بعض الأحيان بسبب براغماتيته العالية، إلا أنه كشّر عن أنيابه إبان ما سمي بالربيع العربي، ودخل في معركة كسرِ عظمٍ مع معظم هذه الأنظمة أدت إلى فقدانه لمراكز قوته الاقتصادية التي شكلها في بعض دول الخليج التي شكلت المصدر الأهم لتغذية شبكة التبرعات الواسعة التي أدارها التنظيم.
أما سياسيًا، فقد خسر التنظيم بلد المنشأ، والحديث هنا عن مصر، ناهيك عن بلدان مهمة كتونس، واليمن، وسوريا وجزء كبير من حضوره في الأردن. عسكريًا، فقد ألقى فرعه الفلسطيني (حماس) بنفسه في مواجهة طاحنة مع "إسرائيل" والولايات المتحدة بعد تنفيذه لهجمات السابع من أكتوبر عام 2023 ضد "إسرائيل"، وقد تبين لاحقًا أن أحد أهداف الهجمات كان خدمة مصالح إيران وتحسين شروط تفاوضها مع الغرب حول برنامجها النووي (كما صرّح إسماعيل هنية وقيادي بارز في الحرس الثوري الإيراني).
مكمن القوة الوحيد اليوم للجماعة هو الأذرع التعبوية التي قد تمكنها من استعادة شعبيتها بسهولة من خلال تغليف خطابها السياسي بغلاف ديني عاطفي، سيّما أنها تملك إمبراطورية إعلامية وعدد هائل من النشطاء والحسابات واللجان الإلكترونية وظيفتها تضخيم هذا الخطاب ونشره على أوسع نطاق. لكن في المقابل، فإن هذا الاتساع التنظيمي يحتاج لتغذية مالية هائلة، بالتالي فإن الرقابة الأمريكية التي يفرضها القرار على الحركات المالية للتنظيم يعني أنه سيتأثر بشكل كبير، وربما يدخل في انهيار.
أردنيًا، هناك رأيٌ يقول إن جماعة الإخوان المسلمين لم تعد موجودة في البلاد بعد أن حظرتها الحكومة في نيسان من هذا العام، وأن حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي للجماعة) هو حزب مرخص وله ضعٌ مختلفٌ عن وضع الجماعة، وربما يكون هذا الرأي "غير دقيق"، فالأمور تشي بأن التعاطي لن يكون بهذه البساطة، فالقرار الأمريكي لن يكون سطحيًا وسيعتمد على دراية عميقة بخبايا وخفايا التنظيم.
الأمر التنفيذي تحدث عن كيانات و "شخصيات"، بالتالي فهو سيعتمد -على الأرجح- على جداول وبيانات الأجهزة الاستخباراتية والأمنية الأمريكية لا على التعريفات القانونية المحلية الخاصة بالدول الثلاث المذكورة في القرار، فالدولة الأردنية مثلًا، قد تصبح مطالبة باتخاذ إجراءات ضد "الحزب" كمجموعة أفراد لسببين يؤثر كلٌ منهما على الآخر: الأول، إذا أثبت القضاء الأردني ارتباط الحزب بالجماعة المحظورة عضويًا، وهنا سنكون قد استبقنا الإجراءات الأمريكية و"كفى الله المؤمنين شر القتال"، والثاني، تماشيًا مع الأمر التنفيذي الذي يفرض عقوبات على الدول التي لا تستجيب للحظر الأمريكي، وفي ذلك مادة إعلامية لحملات تشويه تصور الأردن كتابع مستسلم للقرار الأمريكي رغم أن الموضوع مرتبط بالتعاملات البنكية الدولية والتصنيفات ومحاربة الإرهاب ولا يخص العلاقات الديبلوماسية فقط.
الأردن اليوم أمام مهمة معقدة للمواءمة بين إجراءاته القانونية المحلية ضد ما تبقى من التنظيم (الحزب)، والحظر الأمريكي الذي يضعنا أمام حسابات في علاقاتنا مع الإدارة الأمريكية، وأعتقد أن السيناريو الأقرب هو أن نترك الأمر لمنظومتنا القانونية التي قد تكشف بسهولة الارتباط بين الجماعة والحزب كتنظيمات، أما الأفراد الذين "قد يحددهم" القرار الأمريكي فإن قضيتهم ستكون معقدة جدًا وسيشوبها الكثير من الشد والرخي مع الولايات المتحدة.
بعد القرار الأمريكي، وبعد محاصرته عربيًا، فقد أصبح من الواضح أن تنظيم الإخوان يمر بأسوأ حالات؛ فهذا التنظيم مقسَّم اليوم إلى ثلاثة تيارات: تيار اسطنبول، وتيار لندن، وتيار ثالث يدعى "تيار التغيير"، وقد خسر القدرة على استغلال القضية الفلسطينية كقضية مركزية بالنسبة للعرب والمسلمين بعدما قام به جناحها هناك، إذ وجهت حركة حماس نفسها اتهامات لاذعة لمكتب إسطنبول بالسيطرة على تبرعات وصلت قيمتها حسب بيان حماس إلى ما يقارب النصف مليار دولار .
باعتقادي أن الفرصة سانحة أمام الأردن لجمع الظروف والاستفادة منها بالحد الأقصى، ولكن ديمومة هذه الاستفادة مرهونة بانتاج منظومة تنشئة قادرة على إيجاد عقل ناقد لا يمكن أن يكون في يوم من الأيام فريسة لأي من خطابات الشحن العاطفي والتضليل.