موازنة 2026 بين الطموح والواقع: أرقام تتقدّم… وخدمات ما تزال تراوح مكانها

نبض البلد -
خلدون خالد الشقران


موازنة 2026 بين الطموح والواقع: أرقام تتقدّم… وخدمات ما تزال تراوح مكانها

لم يعد النقاش حول مشروع موازنة 2026 مجرد جلسة بروتوكولية داخل أروقة البرلمان، بل أصبح مرآة دقيقة تكشف فجوة متنامية بين خطاب الحكومة حول النمو والتحسن الاقتصادي وبين الواقع المعيشي الذي يعيشه المواطن. الاجتماع الذي عقدته اللجنة المالية النيابية بمشاركة كبار صانعي القرار المالي في الدولة حمل رسائل واضحة تشير إلى ارتفاع الإيرادات واتساع حجم الإنفاق واستمرار الحديث عن الإصلاح المالي، لكن المواطن ما يزال ينتظر تحسناً ملموساً في الخدمات والدخل وجودة الحياة.

الاجتماع الذي شارك فيه وزير المالية ومحافظ البنك المركزي ومديرو الضرائب والجمارك والأراضي قدّم أرقاماً تبدو للوهلة الأولى إيجابية، لكن قراءة هذه البيانات من زاوية نقدية تكشف أسئلة تتجاوز إطار التفاؤل الرسمي، فالإيرادات المتوقعة من ضريبة الدخل تصل إلى 1.9 مليار دينار، بينما تتجاوز إيرادات ضريبة المبيعات 5.2 مليار دينار، وهي قفزات كبيرة تعكس توسع القاعدة الضريبية وزيادة الاعتماد على جيب المواطن والشركات معاً تحت شعار مكافحة التهرب وتحسين الأداء. ورغم هذا النمو، يبقى السؤال قائماً: إذا كانت الإيرادات ترتفع بهذا الشكل، فلماذا لا يتحسن مستوى الخدمات بالوتيرة ذاتها؟ وإذا كانت الدولة تعزز الرقابة الإلكترونية وتحدّ من التهرب الضريبي، فهل يقود ذلك مستقبلاً إلى تخفيف العبء عن المواطنين أم إلى تثبيته كأمر واقع؟

هذا المشهد يتكرر أيضاً في قطاع الجمارك، حيث أظهرت المؤشرات ارتفاعاً كبيراً في الإيرادات بنسبة 40% وزيادة في الغرامات وإعادة هيكلة رسوم السيارات. إلا أن هذه الإجراءات تنعكس مباشرة على المستهلك الذي يتحمل الكلفة النهائية سواء عند شراء مركبة أو عند استلام الطرود البريدية التي أصبحت محوراً لقرارات مالية أثارت جدلاً واسعاً. وعلى الجانب الآخر، قدمت دائرة الأراضي أرقاماً تظهر انتعاشاً في التداول العقاري، لكنه انتعاش لا يعكس قدرة المواطن الحقيقية على التملك، بل يكشف حركة بيع وشراء تنشط بين المستثمرين أكثر مما تمس الطبقة المتوسطة التي تواجه ارتفاعاً مستمراً في أسعار السكن.

وفيما يخص الدين العام، تواصل الحكومة التأكيد على التزامها بخفض نسبته إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2028، غير أن هذا الالتزام لا يزال يعتمد على استبدال الديون بأخرى أقل كلفة بدل إحداث تغيير جذري في هيكل الاقتصاد أو في تنويع مصادر الدخل. صحيح أن صندوق النقد الدولي يشيد بإدارة الدين، لكن المواطن لا يبني رأيه على تقارير المؤسسات الدولية، بل على أثر الدين في الأسعار والفوائد والاستقرار الاقتصادي.

المداخلات النيابية خلال الاجتماع عكست بوضوح نبض الشارع الأردني، بدءاً من مطالب تحسين الرواتب ورفع كفاءة الإنفاق العام، وصولاً إلى الاعتراض على الرسوم الجديدة التي تمس حياة الناس بشكل مباشر، وفي مقدمتها رسوم الطرود البريدية التي تحولت إلى عنوان لغضب شعبي يتجدد مع كل قرار يفرض أعباء إضافية على المواطنين.

أمام هذه الصورة، تبدو موازنة 2026 منظمة على الورق، مبنية على مؤشرات ونسب نمو، لكنها بعيدة عن التأثير الحقيقي في حياة المواطن التي ما تزال تراوح مكانها. ما يحتاجه الأردن اليوم ليس زيادة في الأرقام، بل رؤية عملية تعالج جذور المشكلة عبر هيكل ضريبي أكثر عدالة، وإنفاق عام أكثر فاعلية، واستثمارات إنتاجية قادرة على خلق فرص حقيقية، وسياسات اقتصادية تضع المواطن في قلب القرار لا على هامشه. دون ذلك، ستبقى الموازنة وثيقة مليئة بالأرقام، لكنها خالية من الأثر الذي ينتظره الأردني منذ سنوات