نبض البلد -
حاتم النعيمات
بالرغم من تحول ملف غزة إلى عهدة مجلس الأمن، إلا أن الأطراف الفلسطينية الداخلية ما زالت تملك مساحة للتحرُّك والمناورة، فلا يستطيع أحد أن ينكر أن السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير تمران بمرحلة تتكيفان اليوم مع الوضع الجديد الذي أنتجته الحرب على غزة.
من يتابع المشهد الفلسطيني يكتشف أن هناك إصلاحات عميقة في النظام السياسي الفلسطيني، فهناك حديث عن تعديلات في القانون الأساسي (معادل للدستور)، وهناك تغييرات في المناصب مثل تنصيب حسين الشيخ كنائب للرئيس، ويضاف إلى ذلك كله إقرار قانون انتخاب مجالس الهيئات المحلية والذي ركز على "منع أي فصيل من خوض الانتخابات دون تبني برنامج منظمة التحرير والتزاماتها الدولية".
إذن السلطة الفلسطينية ليست خارج المعادلة كما يروج البعض، فلا يمكن أن تكون كذلك ويعقد اجتماع مهم بين حسين الشيخ نائب الرئيس وتوني بلير الذي قد يقود السلطة المؤقتة في غزة حسب الخطة الدولية، ناهيك عن أن خطة ترامب نفسها لا تستثني السلطة من حكم غزة بعد مرور الفترة الانتقالية، وتحدث عن برنامج يقود إلى دولة فلسطينية.
إذن الأردن ما زال يراهن على الطرف الأقوى في المعادلة الفلسطينية اليوم، ولم ينجرف السياسي الأردني وراء شعبويات أوصلت الأمور إلى ما نراه اليوم في غزة تحديدًا، وكان ذكاء الديبلوماسية الأردنية واضحًا في التعامل مع مشهد معقد امتد لأكثر من عامين شابه الكثير من الضغط عن طريق الشارع بالإضافة إلى التخوين والتشويه لموقفنا اتجاه القضية.
ربما لا يعجب هذا الكلام الكثير من المهتمين بالشأن العام، لأن المزاج العام العربي تعود على الضجيج المرافق لفكرة "الفرد المُخلّص" المشحون بأوهام مجابهة العالم بأدوات معنوية ومادية بسيطة، لكن الواقع يقول أن مواجهة "إسرائيل" (وأمريكا) دون حسابات تعني الانتحار، وأنا لا أقول أننا لا يجب أن نواجه "إسرائيل"، بل على العكس، فما أقصده هو العقلانية في مواجهتها، تمامًا كما حدث في أروقة الأمم المتحدة وجولة الاعترافات بالدولة الفلسطينية (بريطانيا ودول أخرى ذات وزن) على هامش مؤتمر نيويورك، بالإضافة إلى نتائج اجتماع الدول العربية والإسلامية مع ترامب والذي فرض عليه تغيير تصوراته للمشهد والضغط على "إسرائيل" لإيقاف الحرب في غزة وتجميد عملية ضم الضفة الغربية.
باعتقادي أن المنطقة مطالبة اليوم بأن تستيقظ من التخدير الإعلامي، فلا يمكن أن تستمر سيطرة من يملك أذرع إعلامية أقوى على العقل العربي، فنحن اليوم في مرحلة انتقالية مهمة تشهد زوال تيارات وأيدولوجيات بعضها أوصلتنا إلى الوضع الذي نراه اليوم، وتعايش تغيرات جوهرية في العلاقة الأمريكية الإسرائيلية لا بد من استغلالها.
ان دعم الإصلاحات في السلطة الفلسطينية مصلحة أردنية عليا، وضبط إيقاع الإعلام الذي لا يريد أن يفهم بعضه المعادلة الجديدة في المنطقة ضروري أيضًا، فلا يمكن أن يذهب الرهان الأردني الناجح على الطرف الأقوى في المعادلة الفلسطينية أدراج رياح الحملات والبروباغندا التي يراد من خلالهما تطويع المنطقة بالفوضى لمشاريع إقليمية يفترض أن نكون قد كشفنا سوئها منذ بداية ما سمي بالربيع العربي مرورًا بالعدوان على غزة.