نبض البلد -
حاتم النعيمات
يمر الأردن اليوم بمرحلة مهمة، ويحتاج بموجب ذلك إلى ترتيب خارطته السياسية من باب حماية مسار الإصلاح الذي تتبناه الحكومة، ولتجنّب أي ارتدادات أو مفاجآت في محيط إقليمي متقلّب، أو على الأقل لاستغلال التغيرات الهائلة في المشهد السياسي المحيط الذي لطالما مد أصابعه في الساحة الأردنية، فمن حقنا اليوم أن نسعى لبناء "مناعة داخلية" يصعب اختراقها في المستقبل.
في الفترة الأخيرة، لوحظ أن بعض الشخصيات المرتبطة بالحركة الإسلامية عادت إلى الواجهة، وبدأت تنشط ولكن تحت راية حزب جبهة العمل الإسلامي هذه المرة، بعد أن حسم القضاء مصير الجماعة الأم بالحظر، فأصبحنا نرى تحركات جديدة، وعودة إلى نغمة المظلومية والاتهام المبطن، ووصل الأمر بأحد الناطقين باسم التنظيم إلى ربط مصير الدولة الأردنية بمصير الحركة الإسلامية، وعبّر صراحة عن اعتقاده بأن زوال التنظيم يعني زوال الدولة بنبرة تهديد تعودنا عليها في الدول التي سقط فيها التنظيم.
التسريبات التي تحدث عنها إعلام قريب من صنع القرار تحدثت عن أن ملف الحزب موضوع على الطاولة اليوم، وأن الدولة اقتنعت "إلى حدٍ كبير" بأن مشكلة التنظيم بشكل عام تركيبية وليست سلوكية، فرفع سقف التصريحات من قبل تابعين للحزب والارتباط العضوي الكامل بين الحزب والجماعة أمور ضيّقت مساحة الرحمة في التعامل مع التنظيم.
القضية اليوم لا تتعلق بوجود الحزب من عدمه، فذلك شأن قضائي واضح، بل في أثر ترك الساحات مفتوحة أمامه دون حسم، فالزمن يصب في صالح الخطاب الشعبوي الذي عاد إلى الواجهة على لسان قيادات الحزب، ولأكون صريحًا أكثر، فإن كل ما قامت به أجهزة الدولة من إجراءات ضد الجماعة قد يذهب هباءً منثورًا إذا لم تحسم الأمور بسرعة، خصوصًا أن طبيعة الرأي العام الأردني تسمح له بالانتقال من الطرف إلى الطرف الآخر بسهولة؛ فمثلًا، هناك من نسي أن أصل الأزمة لم يكن مجرد خلاف سياسي، بل تورطٌ في إنشاء خلايا تصنيع أسلحة وصواريخ وطائرات بدون طيار، وتجاوز صريح على كل الأعراف السياسية في الأردن.
من الواضح أن الحركة الإسلامية تسعى اليوم وبأسلوب هادئ ومتدرج إلى إعادة إنتاج "الجماعة” ضمن غطاء قانوني جديد وهو حزب جبهة العمل الإسلامي؛ فلا يمكن عمليًا التمييز بين أعضاء الجماعة وأعضاء الحزب، ولا يوجد أي فرق في الخطاب قبل الحظر وبعده، وما زالت لغة التحدي والاستقواء بالشعبية ذاتها. لذلك فإن بقاء الحزب يعني "قوننة" كل ذلك في الإطار القانوني. المشهد يمكن اختصاره بسؤال بسيط: ما فائدة حظر "الجماعة" ما دام الحزب موجودًا؟
صحيح أن هناك من يرى أن بقاء الحزب أفضل من حله، على قاعدة أن احتواء الظاهرة داخل القانون أفضل من تركها في الظل، لكنّ التجربة تقول أيضًا إن العبرة ليست في السلوك الراهن، بل بالتطورات المستقبلية، فالمطلوب ليس مراقبة أداء الحزب تحت الضغط اليوم بقدر ما هي الحاجة لمتابعة اتجاهاته على المدى البعيد. من يقرأ منحنى سلوك هذا التيار تاريخيًا وعلى امتداد الجغرافيا العربية يدرك أن أيدولوجيته لا تتغير بسهولة بحكم ارتباطها بالقدسيات والعاطفة.
وجود حزب جبهة العمل الإسلامي بحد ذاته لا يعتبر مخالفة قانونية، لكن ذلك لن يستمر إذا ثبت عليه "الارتباط الإجرائي" بالجماعة المحظورة ذات الامتداد الدولي (دعك من الارتباط العضوي والفكري بها).
من زاوية أخرى، فإن هذه الميزات التي يتمتع بها حزب جبهة العمل الإسلامي اليوم تظلم بقية الأحزاب، فلا يوجد حزب أردني نشأ وتضخم في كنف جماعة ذات أذرع مالية ولوجستية ضخمة كجماعة الإخوان، ولا يوجد حزب أردني آخر لديه القدرة على القدرة على استغلال العاطفة الدينية كهذا الحزب، وعليه فإن هناك ظلم يقع على بقية الأحزاب في حال استمر وجود جبهة العمل الإسلامي، وبالتالي فإن عملية الإصلاح السياسي التي تقوم على الأحزاب لن تكون في أفضل حالاتها.