نبض البلد - بهدوء
عمر كلاب
صحيح انها حملت اسم المملكة بكل جغرافيتها ودلالتها, الا انها تربض على كتف من اكتاف عمان العاصمة, ترنوا الى الجميع بمودة ومحبة, لكن في ذلك بعض امتياز, فإذا كانت القاهرة العاصمة اخذت اسم مصر, على لسان سكان الامصار والتخوم, ولطالما سمعنا على لسان المصريين البسطاء" نازل على مصر" كناية عن القاهرة, وكذلك اخذت دمشق اسم الشام كله, على لسان السوريين, فإن الجامعة الاردنية اخذت اسم الاردن كله كناية عن عمان واهلها, لذلك وددت ان ابدأ بهذه المقاربة بعد مفارقتين ومقاربتين.
خلال صيف قائض مضى, كانت حفلات تخريج طلبة الاردنية, تعبير عن فرح خاص لابنائها الخريجين, لكنها كانت في خباياها, احتفالية عمانية خالصة, حيث لم تسجل اية اعتراضات على الحفلات وصخبها, وازدحام شوارعها, وكنت ترى قافلات الاهالي تمضي بسلام وبهجة, ولا اظن وسيلة اعلام تلقت شكاوى كما هي السنوات السابقة, وكانت الاعين تلحظ قيمة عليا لدى الخريجين وذويهم, وربما فيه بعض كبرياء مُضاف لان الخريج من ام الجامعات ومن اعرقها.
خلت وانا اراقب هذا المشهد, انه نابع من حاجة الاردنيين للفرح, وسط ظرف صعب على حدود المملكة, فآثرت عدم الكتابة, لكن, مع مواسم القبول الجامعي, رصدت الحالة على مواقع التواصل الاجتماعي وتعليقات الطلبة وذويهم, ممن حظي فلذات قبولهم بقبول في الاردنية, كانت البهجة ممزوجة بالفخر, وكأن قبول الاردنية, دليل اضافي على نجاح اعلى واكبر, ورصدت حجم مرارة عند عمانيين, تم قبول ابنائهم في جامعات اخرى – نكن لها كل الاحترام – وفي تخصصات جاذبة ورفيعة المستوى, فكان السؤال لاحدهم, لماذا المرارة؟ فكانت الاجابة كاشفة, " يا أخي الاردنية غير".
جُلت بعيدا, قبل ان أعترف في قرارة نفسي, نعم الاردنية غير, ليس لانها تعتلي صهوة تقييم عالمي مرتفع, ولا لانها تمنح خريجها فرصة في سوق العمل اكبر من غيرها, لكن ثمة عبق يخرج من جنباتها, ثمة عبقرية للمكان, لا تخطئ العين في رصده, عمان تبحث عن هويتها, وتجدها حاضرة في قصة نجاح جامعة تربض على تلة الجبيهة العالية مكانا وزمانا وقيمة, حداثة قادمة متمسكة بعراقة لا يمكن التفريط فيها, وارقامها على سلم التراتبية العالمية, تمنح الطالب احساسا مضافا بالفخر, والاهم ثقافة مؤسسية ناشئة, تقول ان الفخر والالتزام حاضران دواخل كل منتسب لها, طالب ام اكاديمي ام اداري.
بهدوئه الصاخب, نجح الطبيب البارع نذير عبيدات في الانتقال بالجامعة الى خانة اخرى, انهاء للعنف الجامعي عبر الانجاز والاحساس بالفخر, فلا يليق بطالب ترتقي جامعته سلم الترتيب العالمي, ان يسلك سلوكا شائنا, ثم انتخابات طلابية تليق باسمها وسمعتها, بالتزامن مع تحديث البيئة الدراسية من قاعات محاضرات واساليب تدريس, كل ذلك بهدوء طبيب جاس جسد المريض بروية, واجرى كل الأشعات والفحوصات اللازمة, فلا شيء يغري بالنجاح اكثر من النجاح نفسه, واظنها كانت فلسفته الهادئة في الانتقال من الاكاديمية الرصينة, الى الفضاء الوطني الاوسع, الجامعة هوية عمان ومصدر فخرها.
لا تحتاج الرمزية الى قوة مفرطة كي يتم الاعتراف برمزيتها, بل تحتاج الى قوة اخلاقية كي ترسخ وتستمر, واظن الجامعة بما حققته من ارتقاء اكاديمي وعلمي وسياسي, قد حققت للعمانيين طموحهم, فاساتذة عالميين في جنباتها, وندوات ومحاضرات ومؤتمرات عميقة وجامعة في اركان مبانيها التي باتت تنطق بالقوة الناعمة, وما زال الامل معقودا بمزيد من التقدم والتعبير الهادئ عن هوية مدينة تستحق ذلك, بل نفخر اننا ابناؤها.
omarkallab@yahoo.com