نبض البلد -
أحمد الضرابعة
يُبالغ محللون سياسيون وكُتّاب في التخويف من ردة فعل "إسرائيل" على الحادثة الأمنية التي وقعت على الطرف المقابل لجسر الملك الحسين وأسفرت عن مقتل جنديين إسرائيليين، لكن أرشيف العلاقات الأردنية - الإسرائيلية يزخر بالحوادث الأمنية المتبادلة والتي كانت نتائجها أكثر دموية في بعض الأحيان ومع ذلك كانت الدبلوماسية هي مفتاح الحل للأزمات التي تنشب بين الجانبين.
صحيح أن "إسرائيل" في السنوات الأخيرة اتخذت منحى تصعيدي في سياساتها العدوانية في المنطقة واتجهت لتغيير التوازنات الإقليمية بما يلبي احتياجاتها الاستراتيجية المختلفة وتختلق الذرائع خدمةً لهذا الهدف، لكن ذلك لا يعني أن تنكفئ الدولة الأردنية على ذاتها، خصوصاً أنها تتعرض للتهديدات الإسرائيلية بشكل متواصل، كتهجير الفلسطينيين وما يُسمى مشروع "إسرائيل الكبرى". الأردن بلغت مواقفه السياسية حد الذروة في إدانة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة وسياساتها في قطاع غزة والضفة الغربية والمنطقة ودفعت كلمات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي المهاجمة للحكومة الإسرائيلية في المحافل الدولية الكثيرين لاعتباره وزيراً لخارجية، لكن ذلك لم يعد كافياً لوقف إرهاب الدولة الذي تمارسه "إسرائيل"، وهو ما عبر عنه الملك عبد الله الثاني في قمة الدوحة بقوله إن الهجوم على قطر يتطلب رداً واضحاً حاسماً ورادعاً.
قد يكون من المفهوم أن تلتزم الدول العربية في إدارة شؤونها المختلفة بنهج الواقعية والعقلانية السياسية أما على مستوى الأفراد والمجتمعات فإن ذلك النهج ليس دارجاً ولا مفروضاً، فالمواقف الشعبية تتشكل نتيجة عوامل وجدانية تجعلها أكثر تحرراً من الحسابات الرسمية للحكومات، وبالتالي فإن العنف الذي ترتكبه "إسرائيل" من الطبيعي أن يولد العنف على المستوى الشعبي، وفي هذا السياق جاء الحدث الأمني على الطرف المقابل لجسر الملك الحسين ليعبر عن الفجوة في حسابات المواقف على المستويين الرسمي والشعبي، فلا يمكن إدانة أحدهما لأن الحكومة لها حساباتها الوطنية المنضبطة وللشارع حساباته القومية والدينية في هذه المرحلة، وهذا أمر مفهوم طالما لا يتم توظيفه ضمن أجندة محددة.
في كل الأحوال، الدولة الأردنية ليست ضعيفة، ولا ينبغي التورط في إظهارها كذلك بصرف النظر عن الأسباب، وهي لها خصوصيتها التي تستمدها من عوامل الأمن والتاريخ والتركيبة الاجتماعية والجغرافيا السياسية والتحالفات الدولية، وهذا ما تدركه "اسرائيل" كما إن الحادثة الأخيرة ليست الأولى من نوعها وقد لا تكون الأخيرة، ولكن من الضروري عند قراءتها مراعاة السياق الكلي الذي وقعت فيه، وليس عزلها عنه وإطلاق صافرات التحذير والمخاوف.