نظرة واقعية لقمة الدوحة.

نبض البلد -

حاتم النعيمات

عُقدت القمة العربية الإسلامية في الدوحة أمس في اجتماع غير عادي على أثر الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قادة حماس في الدوحة، القمة جاءت وسط شعور بالغدر، ولحاجة مُلحة لخلق تنسيق عربي أكثر ديناميكية نظرًا للسلوك الإسرائيلي المستجد الذي تبع السابع من أكتوبر.

السؤال المشروع والذي يشكل جوهر الجدل الدائر اليوم في الأوساط العربية هو التالي: ما الجديد اليوم حتى نقرأ هذه القمة بطريقة مختلفة عن القمم السابقة؟ وهل يكفي بيان الاستنكار والشجب والتحذير؟


الجواب بتصوري أن بيان القمة كافي، لأن وظيفة هذا الاجتماع هي توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، فقد أصبح من الواضح أن هناك مزاج عربي عام يُشخص حالة "سوء الائتمان السياسي" التي تحولت إلى نمط عام في السياسة الخارجية الأمريكية منذ عهد ترامب الأول، أي عندما انقلب على الاتفاق النووي الإيراني ونقله للسفارة الأمريكية إلى القدس واعترافه بالجولان المحتل كأرض إسرائيلية.

على الأغلب أن حالة عدم الثقة بالولايات المتحدة ستترجم إلى إجراءات عملية من قبل الدول العربية وسيكون بيان القمة منطلقًا لها، فالضربة الإسرائيلية كانت القشة التي قصمت ظهر البعير في سياق علاقة واشنطن بحلفائها.

لنكن واقعيين، ونتفق أن النظام العالمي لن يسمح بظهور قوة عربية إسلامية بين ليلة وضحاها، لأن وجود مثل هذه القوة سيغير الخارطة السياسية الدولية وهذا لن يحدث بسهولة لأسباب تتعلق بالمرجعيات المسيطرة على العالم اليوم مثل الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين، ولأسباب تخص الدول العربية والإسلامية ذاتها؛ فعند تشكيل مثل هذه القوة لا بد من إيجاد الكثير من المشتركات والمصالح بين هذه الدول (العاطفة لا تكفي لصنع علاقات دولية متينة)، وهذا للأسف غير موجود، فما هي المصالح الحقيقية التي تجمع باكستان بمصر- على سبيل المثال- حتى تكونان جزءًا من تكتل عربي إسلامي يستطيع أن يحتمل الدخول في صراع مع واشنطن؟

الواقعية تقول أن القمة مهمة في حال كانت نقطة بداية لتشخيص يبنى عليه إستراتيجية جديدة للتعامل مع سياسة واشنطن المتقلّبة، فهناك مصالح عربية يجب أن توضع بالجملة على طاولة البيت الأبيض، وأقول بالجملة لأن مصالح معظم دول المنطقة الفردية (باستثناء الأردن ومصر بحكم الجغرافيا والمعاهدات والمواجهات مع إسرائيل) لا تكافيء العلاقة الإستراتيجية مع إسرائيل بالنسبة لواشنطن.
 
ولنتذكر أن دول الخليج ومن ضمنها قطر أعلنت عن استثمارات بالتريليونات في الإقتصاد الأمريكي خلال زيارة ترامب الأخيرة، وقد شكلت هذه الاستثمارات مقدمة لقوة ضغط داخل مصنع القرار الأمريكي، لكن على ما يبدو أن هذه القوة لم تكن كافية وتحتاج لمعززات سياسية أكثر، وهذا ما أكدت عليه القمة من خلال بيانها، لذلك، فالمرجو أن يمثل هذا البيان نقطة بداية لتدارك الأخطاء الخليجية أيضًا في العلاقة مع الإدارة الأمريكية.

في المقابل، ظهر أثر ملموس على العلاقات بين الدول العربية ذاتها، فقد فجّرت ضربة الدوحة حالة من التضامن العربي مع قطر رغم وجود خلافات وملاحظات على الدور الإعلامي للأخيرة من قبل الكثير من هذه الدول، لكن هذا كله ذاب مع الذهول الذي رافق الهجوم الإسرائيلي.


الأردن يملك موقعًا مهمًا جدًا في هذا التنسيق العربي؛ فهو الأكثر قدرة على تغيير المواقف الغربية بدبلوماسيته الذكية، وهو الدولة التي تملك توافقات معتبرة مع معظم الدول العربية والإسلامية، لذلك فالعبء الملقى على عاتقنا كبير جدًا.


الأهم من كل ذلك أن ندرك أن الأردن هو المتضرر الأكبر في محصلة الأمر، لأنه الملاصق للضفة الغربية المستهدفة بمشاريع الضم والتهجير، لذلك فالقمة مهمة بالنسبة للأردن ربما أكثر من قطر ذاتها، فالعدوان الإسرائيلي على الدوحة لن يتكرر -على الأغلب- لأنه ارتبط بوجود قادة حماس حصرًا، بالتالي فهو فعل عابر وغير استراتيجي على عكس الفعل الإسرائيلي في الضفة والذي يمس وجودنا وكينونتنا كأردنيين. هذا فرق مهم جدًا يحتم علينا ألا نكون في حالة اندفاع أو مبالغات، ويفرض علينا أن نقرأ جوهر الأمور لا ظاهرها.