كيف نقرأ الهجوم الإسرائيلي على قطر؟

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

يُثير الهجوم العسكري الذي شنته إسرائيل على أهداف تابعة لحركة حماس في العاصمة القطرية أسئلة لا تنتهي حول كيفية تفسير الموقف الأميركي تجاهه وتقييم الردود الخليجية والعربية والإسلامية والدولية عليه بالإضافة إلى مضمون الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها لدول المنطقة عبر هجومها على الدوحة وانعكاسات ذلك على مسار المفاوضات لوقف الحرب المستمرة في قطاع غزة وآفاق الصراع الإقليمي الذي أشعلته إسرائيل على سبع جبهات قابلة للزيادة وفقاً للعديد من المؤشرات التي كان آخرها توقيع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مخططاً لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية وتعهده بمنع قيام دولة فلسطين في الوقت الذي يتزايد فيه الاعتراف الدولي بها إلى جانب تهديد المندوب الإسرائيلي في مجلس الأمن باغتيال قادة حركة حماس في الأنفاق أو الفنادق على حد وصفه، وهو ما يُطيل بقاء المنطقة في حالة اللا يقين دون أن يلوح في الأفق - حتى كتابة هذه السطور - أي أفق لاستعادة الأمن والاستقرار الإقليميين.

الهجوم الإسرائيلي على دولة قطر التي تُصنّف كحليف استراتيجي للولايات المتحدة الأميركية خارج حلف الناتو، والتي أيضاً تحتضن قاعدة عسكرية تركية، وتلعب دور الوساطة في الصراع الإقليمي أراد نتنياهو من خلاله توجيه ثلاث رسائل، أولها: أن القضاء على قادة حركة حماس ما زال هدفاً مركزياً لحكومته سواء أكانوا من القادة السياسيين أو العسكريين أو من مؤيدي خيار التفاوض أو رافضيه أو من المتواجدين داخل غزة أو خارجها، وهو بذلك لا يحرص فقط على استدامة الدعم الذي توفره له الأحزاب الصهيونية المشاركة في حكومته، بل يسعى أيضاً لفرض رؤيته السياسية التي تتضمن أهدافاً شخصية وقومية ودينية

ثاني تلك الرسائل التي حملها الهجوم الإسرائيلي على قطر هي أن إسرائيل مُستثناة من معادلات الردع الإقليمية سواء أكانت أطرافها أميركية أو تركية أو إيرانية، فقطر التي تستضيف قاعدة العيديد الأميركية بالإضافة إلى قاعدة الريان التركية وتتمتع بعلاقات إيجابية مع إيران تحولت إلى مسرح لتصفية الحسابات للمرة الثانية ولم تُسهم تحالفاتها رغم تنوعها وتناقضاتها في منع إسرائيل من الاعتداء عليها. بالنسبة للقطريين، ما كان متوقعاً من الجانب الأميركي أكبر من اتصال هاتفي لإبلاغهم بالهجوم الإسرائيلي بعد عشر دقائق من وقوعه لأن ذلك يُخل بمبادئ التحالف بين بلدين تربطهما شراكات استراتيجية وبالتالي فإن ما تعرضت له قطر قد يتكرر مع أي بلد عربي حليف للولايات المتحدة الأميركية ترى إسرائيل بأن عليها ضرب أهداف محددة فيه، وهنا يتعين على العواصم العربية الحليفة لواشنطن وضع هذا السيناريو أمامها، فما تعرضت له قطر هو اختبار أظهر عدة حقائق، كان من أهمها توفير مثال عملي على كيفية إدارة الولايات المتحدة الأميركية للعلاقات بين حلفاءها وتغاضيها عن التطاول الإسرائيلي في المنطقة. الأردن الذي اعتبر تهجير الفلسطينيين إعلان حرب له ما بعده، هو أيضا شريك استراتيجي رئيسي للولايات المتحدة، ولذلك هو مَعني أكثر من غيره من الدول العربية بالتساؤل حول ماهية الموقف الأميركي المتوقع في حال وقوع صدام بينه وإسرائيل على خلفية التهجير، وهل ستتصرف الولايات المتحدة بعدالة في حال نشب الصراع بين بلدين هي حليفة لهما أم ستقف إلى جانب إسرائيل كما هو متوقع ؟ .. وما هو الخيار الاستراتيجي لعمان إذا أدارت واشنطن ظهرها للمصالح الأردنية ؟ .. وما هي هوامش المناورة المتاحة للأردن على الساحتين الإقليمية والدولية إذا كان الموقف الأميركي مخيباً للآمال؟ .. هذه التساؤلات وغيرها يجب أن تُطرح لأن ما تعرضت له قطر يجب أن ينتج قراءات معمقة ومراجعات شاملة لاستباق الأحداث المحتملة ومساراتها وتوفير خيارات للتعامل مع أي مفاجأة سياسية

في العودة إلى الرسائل التي مررتها إسرائيل عبر الهجوم على الدوحة، يمكن القول إن الثالثة منها كانت موجهة إلى النظام الرسمي العربي بكافة محاوره، ففي استهدافها لدولة من دول مجلس التعاون الخليجي التي انتقل إليها مركز الثقل العربي تأكيد على أن الدول العربية مهما بلغ نفوذها الدبلوماسي وقوتها الاقتصادية ستبقى ضمن نطاقات الاستهداف الإسرائيلي إن تطلب الأمر.

كيف يمكن الرد على تلك الرسائل الإسرائيلية ؟

أعتقد أن الظروف الاستثنائية لا يمكن مواجهتها إلا بسياسات استثنائية، وبما أن دولة قطر حصلت على تضامن عربي ودولي واسع بعد الهجوم الإسرائيلي عليها فإنه من الضروري أن يكون هذا المعطى حاضراً على أجندة القمة العربية التي ستستضيفها الدوحة لتكون مخرجاتها موازية لمستوى الحدث، ومن دون ذلك، فإن إسرائيل ستكون قد أثبتت خلو منطقتي الشام والخليج العربي من أي قوة رادعة لإرهاب الدولة الذي تمارسه، وهو ما سيكرّس إطلاق يدها العسكرية في المنطقة بلا حدود...