الترسانة القانونية الأردنية في مواجهة طموحات التهجير

نبض البلد - حاتم النعيمات

تحدث الخبير الدستوري والقانوني الدكتور ليث النصراوين في مقال نشر في جريدة الرأي عن خيارات الدولة الأردنية في مواجهة ضم الضفة الغربية وتهجير سكانها، ويقول النصراوين في مقاله إن القانون الدولي هو السلاح الأهم بيد الدولة الأردنية، ويسهب في الحديث عن إمكانية طلب فتوى استشارية جديدة من محكمة العدل الدولية لتجريم أي مشروع ضم أو تهجير بالارتكاز على قرارات الأمم المتحدة، وعلى رأسها 242 و 194.

ما يطرحه النصراويون مهم، ويستند إلى لما جاء في القانون الدولي، بأن جميع الإجراءات في الضفة الغربية من قبل إسرائيل باطلة لأنها أرض أُخذت بالقوة العسكرية، بالتالي، فأنت أعتقد أن إسرائيل لن تستفيد من فرض الأمر الواقع هناك مهما فعلت؛ فالغالبية العظمى من دول العالم لن تعترف بهذه الإجراءات ولن تمررها، ناهيك عن أن التهجير يُعتبر بحد ذاته جريمة حرب، وهنا فإن خسائر إسرائيل ستتعاظم، وستتهشم صورتها أكثر أمام المجتمع الدولي.

صحيح أن ما ذكر أعلاه يمثل ترسانة قانونية قوية يملكها الأردن، لكن هذا لا يعني أن نستثني إعادة دراسة العلاقة مع الضفة الغربية من ناحية ديموغرافية كسلاح من هذه الأسلحة القانونية، فقرار فك الارتباط الإداري مع الضفة طُبِّق في وقت لم تكن فيه المستوطنات تنتشر بهذه الكثافة، ولم يكن الوضع الإسرائيلي والإقليمي كما هو اليوم بعد السابع من أكتوبر، بالتالي، فإن إعادة دراسة القرار ضرورية من أجل ثلاثة أمور: الأول، وقاية الأردن من أي مواجهة عسكرية في حال إقدام إسرائيل على تهجير سكان الضفة بجميع تقسيماتهم القانونية بالنسبة لوثائق السفر، والثاني، ويأتي بهدف تقوية صمود الفلسطيني على أرضه، والثالث، للاستفادة من زخم الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية لتعزيز قوة الهوية الوطنية الفلسطينية ومتعلقاتها كجواز السفر الفلسطيني، للمساهمة في تثبيت كينونة الشعب الفلسطيني. لدينا لغاية اليوم اعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل 147 دولة، والرقم مرشح للارتفاع وباعتراف دول ثقيلة كفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها، بالتالي، فوضع المواطن الفلسطيني في هذا المجال في تحسّن مستمر بغض النظر عن إقامة الدولة الفلسطينية من عدمه.

ويروج البعض إلى أن إعادة النظر بإجراءات فك الارتباط ستؤثر أو تتأثر بأي شكل من الأشكال باتفاقية وادي عربة، وهذا الترويج غير صحيح بناءًا على آراء مختصين، لأن فك الارتباط نفسه لا يعتبر عملًا يخرق الإتفاقية مع إسرائيل بل هو شأن فلسطيني أردني. والفقرة الأولى من المادة 25 من الاتفاقية والمعنونة بالحقوق والواجبات تنص على التالي: "لا تؤثر هذه المعاهدة ويجب أن لا تُفسر على أنها تؤثر بأي شكل من الأشكال على حقوق وواجبات الطرفين بموجب ميثاق الأمم المتحدة”. ولو عدنا إلى ميثاق الأمم المتحدة الذي وقعت عليه إسرائيل لوجدنا أن ترحيل السكان إلى الأردن هو العمل العدائي الواضح وليس إعادة فرض تطبيقات فك الارتباط، بالتالي فإن أي إجراءات قبلية لمنعه تُعتبر حقًا مشروعًا للأردن.

إذا كانت السياسة الأردنية تبحث عن طريقة لضمان التواجد في الضفة الغربية، فإن ذلك مضمون أساسًا من خلال الوصاية الهاشمية على المقدسات وبنص اتفاقية وادي عربة أيضًا، لذلك، فإن إعادة النظر بقرار فك الارتباط من ناحية جوازات السفر المؤقتة والدائمة وحق العودة لن يمس هذا التواجد، بل على العكس، سيصعّب مهمة إسرائيل في حال فكرت بالتهجير بأي شكل من الأشكال.

أعرف جيدًا أن إسرائيل لن تجرؤ على اتخاذ قرار التهجير باتجاه الأردن بهذه البساطة، وأؤمن أيضًا أن ما تصرّح به حكومة الاحتلال هو مجرد مناورات لرفع سقف المطالب ولشحن القدرة الانتخابية لليمين المتطرف هناك، لكن ومع ذلك، فهذا لا يعني بالمطلق عدم أخذ الاحتياطات والتدابير اللازمة، فالموضوع لن يتم دفعة واحدة، وقد يتم على امتداد فترة زمنية طويلة بدفع من المضايقات اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيين في الضفة من قبل سلطات الاحتلال والمستوطنين، بالإضافة إلى السعي المستمر على مقياس أكبر لتفتيت الجغرافيا مثل مشروع مستوطنة E1 الذي سيقسم الضفة الغربية إلى قسمين.

حسم العلاقة مع ديموغرافيا الضفة الغربية مهم استراتيجيًا لتكتمل إجراءات الوقاية السياسية والقانونية من أي احتمالات، خصوصًا إذا استمرت الدولة الأردنية في التأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني بالعودة والتعويض كما أكد جلالة الملك عبد الله الثاني في أكثر من مناسبة، وكنا صرّحت الحكومة في عدة مناسبات. باختصار، لا بد من استغلال كل مكونات المشهد ومتغيراته لتثبيت ذلك دون أي مجاملة أو تباطؤ، فكثرة المتغيرات تعني الحاجة لأخذ أبعد الاحتمالات بعين الاعتبار.