نبض البلد -
أحمد الضرابعة
ما تؤكده عمليات الاغتيال التي تنفذها "اسرائيل" في العواصم العربية والإقليمية هو أن المنطقة بكافة مكوناتها مكشوفة بالكامل لجهاز الموساد الذي يتفنن في طُرق تنفيذ عملياته وإخراجها، فهي تستخدم الروبوتات المفخخة في غزة لقتل الفلسطينيين، وتقمعهم في الضفة الغربية بأبشع الأساليب، وتُفجّر "البيجرات" بأيادي عناصر حزب الله، وتُطلق مُسيّراتها ضد أهداف إيرانية من المسافة صفر، وتُسقط أطنان القنابل على مواقع يمنية وقطرية مُحدّدة بدقة. النموذج الاستخباري الذي تقدّمه "إسرائيل" لم تعتد عليه دول المنطقة، وهو ما يضعها في مواجهة غير متكافئة معها نظراً لأنها متفوقة في هذا الجانب الذي يتيح لها الاحتفاظ بعنصر المفاجأة الاستراتيجية وهو ما يُفسّر تقدّمها على محور المقاومة الذي بات في حالة ضعف.
ما تحاول "إسرائيل" إثباته هو أنها بعد السابع من أكتوبر لعام 2023 كسرت جميع معادلات الردع، فعلى المستوى الفلسطيني نجحت بتصفية عدد من قادة حركة حماس واستنزاف مخزونها العسكري، وهو ما عطّل قدرتها على الردع وفيما يتعلق بالقدس، حيث زادت وتيرة الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى بشكل ملحوظ، وعلى المستوى الإقليمي تمكنت من إخراج حزب الله من المواجهة. وفي سوريا تعمل "إسرائيل: على بناء مجال حيوي يتيح لها التحرك خارج حدودها الجغرافية لتأمين مصالحها القومية، خصوصاً بعد انهيار التفاهمات التي ضمنت هدوء الجبهة السورية خلال حكم الأسدين. أما عن إيران فإنها خسرت معظم نفوذها الإقليمي ولم يعد أمامها سوى الانكفاء على ذاتها ومراجعة برنامجها "الثوري" وترتيب أولوياتها الداخلية والخارجية.
النتيجة النهائية لذلك هو خلو المنطقة من أي طرف يُمكنه موازنة الردع الإقليمي مع "إسرائيل"، والدليل على ذلك أن تقزُّم الدور الإيراني أتاح ل"إسرائيل" توسيع أنشطتها العسكرية والاستخبارية في الخليج العربي وهي المنطقة التي تعد مجالاً حيوياً لإيران، حيث تستهدف الحوثيين في اليمن وقادة حركة حماس وعناصرها في الدوحة.
مع وجود مشروعين إقليميين لدولتين تشتركان في ازدراء العرب والتعدي على حقوقهم ومصالحهم، فإن التساؤل حول تمسك العرب بالحفاظ على الوضع القائم يجب أن يفرض نفسه، لأن الحفاظ على الوضع القائم لم يعد هو الخيار الاستراتيجي الأمثل في ظل التغييرات العميقة الجارية في المنطقة
نقلت "إسرائيل" عملياتها العسكرية من بلاد الشام إلى الخليج العربي، وربما مصر لاحقاً، وهذا يُحتم على العرب أن يعيدوا تعريف أولوياتهم الاستراتيجية قبل فوات الأوان.