إعلام المؤثرين وأزمة التمثيل والأدوار.

نبض البلد -

حاتم النعيمات


لدى أي دولة في العالم منظومتها الإعلامية التي تعكس توجهاتها وتمارس من خلالها سيادة على الفضاء العام، فالدولة عي الجهة المطالبة دائمًا بالتوضيح وإيصال المعلومة للناس فيما يتعلّق بشؤونهم، وهي التي تخلق الوعي العام والحصانة ضد الإشاعة واستغلال العاطفة خصوصًا في ظل تنامي وسائل إعلام بديلة غير رسمية وغير مضبوطة تنمو بسرعة داخل منصات التواصل الإجتماعي.


الظاهرة المُلفتة تتمثل في دخول الأجهزة الإعلامية الحكومية وشبه الحكومية في معظم دول العالم بمنافسة غير متكافئة مع شبكات التواصل الإجتماعي وجيوش المؤثرين خلال السنوات الأخيرة، إذ باتت هذه الأجهزة تلجأ بشكل مستمر إلى نمذجة (تقليد) أو محاصصة هذا النوع الجديد من الإعلام دون جدوى نظراً لرشاقة الإعلام البديل وعدم حاجته للمهنية أو/و تنظيم المحتوى وتوثيقه، على عكس إعلام الدول الذي لا يستطيع إلا أن يكون موثوقًا ورصينًا في غالب الأوقات.

القصة أن الإعلام البديل (الجديد) أصبح قادرًا على خطف الأضواء من إعلام الحكومات ليس لضعف الأخير كما يعتقد البعض، بل لأن هناك إختلاف جوهري وتركيبي بينهما، والدليل ما نراه اليوم هو محاولات من قبل الإعلام الرسمي للانتقال إلى بيئة التواصل الإجتماعي من أجل مواكبة إيقاع الإعلام البديل.


صحيح أن هذا الطراز الجديد من الإعلام لا يمكن إيقافه بسهولة، لكن هذا لا يعني أن يُسمح له بالظهور كمُعبِّر عن الدول وسياساتها، والجميع يرى اليوم من يوصفون بالمؤثرين وهم يمارسون أنشطتهم كممثلين للدولة، في ظل ضياع المعيار وقبول وتصديق ما هو منشور أو مبثوث بناءًا على العلاقة بين المتلقي والمؤثر وليس دقة المعلومة والثقة بالتحليل.

هذا النزاع على الفضاء العام والجمهور يتطلب تحركًا عاجلًا من الدول يَنتح عنه منظومة ذكية تنافس -على الأقل- هذه الكيانات الإعلامية الجديدة، وتفرض القانون والأنظمة عليها، فلا يمكن أن تبقى هذه المساحة من الوعي العام مخطوفة لدى منصات هدفها الربح على حساب جودة الرسالة الإعلامية.

لا أدعو هنا إلى فرض البيروقراطية على هذه المنصات والشخصيات المؤثرة بقدر ما أطالب بتنظيم عملها، لكن هذا لا يعني أيضًا صحة نظرية بعض المسؤولين في الأجهزة الحكومية التي تقول أن علينا التعاقد مع هذا الإعلام الجديد بدلًا من تنظيمه.

مهمة الإعلام ليس إيصال المعلومة والتحليلات المرتبطة بها فقط، بل تظهير هوية الدولة أيضًا، وسواء كان هذا الإعلام رسمي أو "جديد" فالأصل ألا يخطفه من لا يدرك تقاسيم وخصائص الهوية الوطنية لتلك الدولة، لأن تمثيل هوية الدولة الإعلامية من قبل من لا يؤمن بها هو تكسير لصورتها وضرب لعلاقتها مع الشعب.

في الأردن -كحال بقية الدول- لدينا البعض من المؤثرين الذين هاجموا (لغايات التريند) مواقف الدولة الأردنية، وهويتها، وتداولوا الإشاعات عبر منصاتهم، ومع ذلك ما زال البعض يعتمد عليهم في إيصال الرسائل، بل وفي تمثيل الأردن خارجيًا في بعض الأحيان!.

التحرّك يجب أن يكون سريعًا وذكيًا بتصوري من قبل الدولة والمجتمع، لأن هناك عملية تشكيل واسعة وخاطفة للوعي العام دون ضوابط، وهناك محاولات للتكسّب من تحطيب هذا الوعي، فلا يعقل أن نستسلم لهذه الفوضى في منطقة تعج بالتقلبات والمفاجآت والتهديدات. ومن هنا يجب تثمين ودعم ما تقوم به نقابة الصحفيين الأردنيين من ضبط وتنظيم للفضاء الإعلامي.