من يدفع ثمن انحدار النخبة السياسية ؟

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

عندما يُمارس "رجال الدولة" المراهقة السياسية في نهاية أعمارهم، وينزلقون في خطاباتهم ومواقفهم إلى مستوى لا يليق بناشط سياسي مبتدئ، فإن العديد من الأسئلة المشروعة ستفرض نفسها على النقاش العام للحصول على تفسير مقبول لهذا الانحدار الذي يمسّ هيبة الدولة الأردنية، ويخلق صورة نمطية جديدة لمسؤوليها السياسيين الذين يستعرضون تجاربهم أمام الكاميرات دون أي مراعاة لحساسية ما يقولونه وما يترتّب عليه من تبعات لا تنال من الأفراد المقصودين في خطابهم فقط، بل تشمل المؤسسات الوطنية، والصورة النهائية للدولة الأردنية

سمعنا في الأيام الماضية رئيس وزراء سابق يتهم دائرة المخابرات العامة بمنع ترشحه للانتخابات. ظَهرَ بعد ذلك نائب رئيس وزراء سابق ووزير للخارجية يقول إن خارطة الأردن عجيبة ولم تكن بهذا الشكل إلا لأن الذي رسمها على حد وصفه كان "سكراناً" وأراد فصل العراق عن فلسطين، لينحاز بذلك إلى مروجي الادعاء بأن الدولة الأردنية هي "كيان وظيفي". لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد خرج وزير سابق ليفصح عن تلقيه عرضاً من رئيس وزراء بتمويل ترشحه للانتخابات النيابية وإنجاحه فيها.

ما سمعناه في الأيام القليلة الماضية من ذوي الدولة والمعالي ليست اعترافات شجاعة يستحق أصحابها الإشادة والتقدير الشعبي، بل كانت سقطات سياسية مدوية؛ لأن ما قيل كان تفريغاً متأخراً وفي غير وقته، ولم يأت بعد مراجعات وطنية عميقة ومسؤولة، وهو أقرب إلى أن يكون محاولة لتصفية الحسابات بعد انتهاء الخدمة،

يختزل هؤلاء مرحلة كاملة لا يعرف الكثيرون تفصيلاتها الدقيقة، وما من هدف وطني يتحقق بإعادة استحضار أحداث ومواقف جدلية من تلك المرحلة التي تم تجاوزها، خصوصاً في مثل هذا التوقيت الحسّاس الذي يتطلب بناء جبهة وطنية متماسكة لمواجهة التهديدات المختلفة.

تعامل الأردنيون مع المراهقة السياسية التي مارسها منتسبون لنادي النخبة بوعي متقدم، فقد حرصوا أولاً على حماية صورة مؤسساتهم الوطنية ومنع تلطيخها بأحداث ومواقف عابرة خرج القائمون عليها من الخدمة. وعملوا ثانياً على طرح أسئلة عميقة لتفكيك البنية التي سمحت بهذا الانحدار السياسي:

كيف انتسب هؤلاء للنخبة السياسية في بلدنا ؟ وما هي الأسس والمعايير التي سمحت بصعودهم إلى السلطة؟ وبأي معادلة سياسية انتقل بعضهم من خانة المعارضة الجذرية إلى خانة الموالاة المطلقة؟ ولماذا لم يتشرب هؤلاء قيم الدولة الأردنية ومنطقها السياسي عندما احتوتهم وذريّتهم لعقود ؟
ولم لا يتم إنتاج نخبة وطنية جديدة تليق بالأردن ولا تتسبب في تقزيمه؟

هذه الأسئلة الحساسة وغيرها يطرحها الأردنيون لإيمانهم أن الأردن يستحق ما هو أرقى من هذا الانحدار الخطابي والتهافت السياسي، وما هو أكثر وفاءً لتاريخه من أولئك الذين يتعاملون مع الدولة كمحطة عابرة في مسيرتهم الشخصية.