كيف نعالج عزوف الإناث عن تخصص التمريض؟

نبض البلد -

 

مصدر: نقص في كوادر التمريض النسائية في المحافظات

عياصرة: توفير فرص قيادية للنساء في القطاع لتشجيع الإناث على الانخراط في المهنة

خويلة: نظرة المجتمع والدخل المحدود وراء تراجع إقبال الإناث على تخصص التمريض

 

– شذى حتاملة

رغم الدور المحوري الذي تلعبة مهنة التمريض في المنظومة الصحية والدور الانساني الذي تؤديه في تقديم الرعاية الصحية والدعم النفسي للمرضى، إلا ان بعض الجامعات تشهد انخفاضاً في إقبال الإناث على الالتحاق بهذا التخصص، ويعزى هذا العزوف إلى أسباب اجتماعية وثقافية واقتصادية.

ومن أبرز تلك الأساب، النظرة المجتمعية السلبية تجاه هذا التخصص والتحديات المرتبطة بطبيعة العمل، ما يثير القلق حول مستقبل الكوادر التمريضية في ظل تزايد الحاجة إليها، وهذا الواقع يطرح تساؤلات ملحة حول أسباب هذا التوجه، وتأثيراته على القطاع الصحي، والحلول الممكنة لإعادة جذب الكوادر النسائية إلى مهنة التمريض.

وكشف مصدر مطلع لصحيفة "الأنباط" أن تخصص التمريض بين الإناث يشهد حالة من الاكتفاء في العاصمة عمان، في حين تسجل بعض المحافظات الأخرى مثل جرش وعجلون والزرقاء ومحافظات الجنوب نقصًا محدودًا في الكوادر التمريضية النسائية.

وأشار المصدر إلى أن عدة عوامل تسهم في عزوف الإناث عن الالتحاق بهذا التخصص من أبرزها الأعباء الأسرية والالتزام بالورديات الليلية الطويلة، ما يدفع الكثيرات للتفكير مطولاً قبل اتخاذ قرار الانخراط في المهنة، كما أن تدني الرواتب مقارنة بحجم الجهد المبذول، حيث يتراوح متوسط الأجر بين 500 و600 دينار، يعد من أبرز التحديات التي تواجه الممرضات.

وأضاف أن هناك نقصًا ملحوظًا في خدمات التمريض الأسري، حيث تفتقر بعض العائلات لوجود ممرضات متخصصات في هذا المجال، ما يزيد من الحاجة إلى دعم هذا القطاع الحيوي.

وفيما يتعلق بالحلول دعا المصدر إلى ضرورة تقديم حوافز مالية ومعنوية للإناث العاملات في التمريض، إلى جانب تخصيص منح دراسية ومقاعد جامعية لهن، لا سيما في المناطق التي تعاني من نقص في الكوادر التمريضية، بهدف سد الفجوة وتحسين مستوى الرعاية الصحية في مختلف أنحاء المملكة.

 

تصورات نمطية خاطئة

وقال الأستاذ المساعد في كلية التمريض وعميد كلية جامعة جرش، الدكتور إبراهيم عياصرة، إن عزوف الإناث عن الالتحاق بتخصص التمريض يعد من القضايا الساخنة، حيث يشهد القطاع الصحي نقصًا في توظيف الممرضات، ما انعكس سلبًا على جودة الرعاية الصحية المقدمة في المستشفيات، وارجع ذلك إلى طبيعة مهنة التمريض التي تتطلب ساعات عمل طويلة قد تصل إلى 12 ساعة يوميًا، بالإضافة إلى الضغوط النفسية والاجتماعية التي يواجهها الممرضون، إلى جانب احتمالية تعرضهم لإصابات عمل داخل المستشفيات أو خارجها، بعضها قد يكون خطيرًا.

وأضاف أن هناك تصورات نمطية خاطئة تسيء إلى صورة مهنة التمريض خاصة بالنسبة للإناث حيث ينظر إليها كمهنة أقل شأنًا من الطب، وكمجرد وظيفة مساعدة للطبيب، تفتقر إلى الاستقلالية ، موكدا أن هذه النظرة غير صحيحة إذ إن مهنة التمريض لها توصيف وظيفي واضح ومعتمد من وزارة الصحة والمؤسسات الصحية، والممرضون والممرضات يتمتعون باستقلالية تامة في تخطيط وتنفيذ الإجراءات التمريضية، ويستخدمون مهارات التفكير الناقد وحل المشكلات ضمن إطار العملية التمريضية ، لكن لا يزال هناك نقص في الوعي المجتمعي تجاه طبيعة وأهمية هذه المهنة.

وأشار إلى أن استقلالية الممرضين في اتخاذ القرار لا تعني أنهم يعملون بمعزل عن باقي المهن الصحية، بل إن تقديم الرعاية الصحية يتم ضمن إطار تعاوني وتشاركي يشمل الأطباء، وأخصائيي العلاج الطبيعي والوظيفي، والصيادلة، وفنيي الأشعة، بما يضمن تقديم أفضل مستوى من الرعاية الصحية للمريض ، موضحا أن اعتبار الممرض مجرد تابع للمهن الأخرى لا يقلل من قيمة مهنته، بل يعكس نقص في الوعي المجتمعي نتيجة ضعف برامج الإرشاد المهني والتوعية المستقبلية، لا سيما في المدارس ،داعيا إلى بدء التوعية المهنية منذ الصف التاسع وحتى الثانوية العامة، من خلال حملات تثقيفية يقودها مختصون لتعريف الطلبة بطبيعة مهنة التمريض وأهميتها.

من الناحية الاقتصادية، أكد عياصرة أن رواتب الممرضين والممرضات في المؤسسات الحكومية والعسكرية شهدت تحسنًا ملحوظًا بفضل الحوافز المادية، في حين لا يزال الوضع في القطاع الخاص مختلفًا، إذ لا تتجاوز الأجور في كثير من الأحيان الحد الأدنى، مما ساهم في عزوف الطلبة خاصة الإناث عن دخول المهنة، وساهم في تشويه صورتها، مشيرا إلى أن هذا العزوف يؤدي إلى تفاقم مشكلة نقص الكوادر التمريضية، خصوصًا أن المجتمعات العربية تميل لتوظيف الإناث أكثر من الذكور في مجال التمريض، نظرًا لتفضيل المرضى في كثير من الأحيان تلقي الرعاية الصحية من ممرضات، مما يزيد من الحاجة إلى تعيين الإناث في هذا القطاع.

وبين عياصرة أن هناك معيارًا عالميًا يحدد النسبة المثلى لعدد المرضى مقابل كل ممرض، ففي الأقسام العامة مثل الجراحة والباطنية يجب ألا يتجاوز عدد المرضى لكل ممرض 6 مرضى، أما في أقسام العناية الحثيثة والطوارئ فيفترض أن تكون النسبة 1 إلى 2 كحد أقصى، موضحا أن هذه المعايير غير مطبقة في الأردن، نتيجة النقص الحاد في الكوادر التمريضية، خاصة من الإناث.

وشدد على أهمية تصحيح المفاهيم المغلوطة حول مهنة التمريض، وتعزيز الحملات التوعوية في المدارس، بالإضافة إلى تحسين الرواتب والظروف الوظيفية في القطاع الخاص، وتوفير فرص قيادية للنساء في القطاع الصحي، مما من شأنه أن يشجع المزيد من الإناث على الانخراط في مهنة التمريض.

واختتم عياصرة حديثه بالإشارة إلى الخطوة التي اتخذتها هيئة الاعتماد بالتعاون مع المجلس التمريضي، والتي تقضي بتخفيض نسبة قبول الذكور في تخصص التمريض إلى 40% مقابل 60% للإناث، وذلك بهدف معالجة الخلل في التوزيع بين الجنسين وزيادة عدد الممرضات في السوق الصحي الأردني.

 

النظرة المجتمعية السلبية

بدوره، قال الدكتور محمد خويلة المتخصص في علم الاجتماع الإعلامي، إن مهنة التمريض تعد من الركائز الأساسية في المنظومة الصحية، وتشكل عنصراً محورياً في استكمال الثلاثي الصحي الطبيب والممرض والصيدلي، اذ للممرضين دوراً بالغ الأهمية في تقديم الرعاية المباشرة للمرضى على اختلاف أعمارهم واحتياجاتهم الصحية، مشيراً إلى أن هذه المهنة تجسد أعلى صور العطاء والتعاطف، من خلال ما يقدمه الممرضون من دعم نفسي وجسدي للمرضى في أكثر لحظاتهم ضعفاً، الأمر الذي يسهم في تعزيز شعورهم بالأمان والراحة.

ومن الناحية الاجتماعية بين أن هذه المهنة تسهم في تحسين مستوى الوعي الصحي داخل المجتمعات والحد من انتشار الأمراض من خلال التثقيف الصحي والمشاركة في المبادرات الوقائية وبالتالي تنعكس هذه الأدوار على جودة الرعاية الصحية، إذ يُسهم الممرضون في تسريع تعافي المرضى وتقليل نسب المضاعفات وضمان استمرارية العناية الصحية.

وأوضح خويلة أن هناك عدة عوامل تسهم في تردد أو عزوف بعض الفتيات عن الالتحاق بمهنة التمريض، من أبرزها النظرة المجتمعية السلبية التي تربط هذه المهنة بالسهر، والاختلاط، والعمل في أوقات غير اعتيادية، وهي أمور قد لا تتوافق مع بعض العادات أو التوقعات الأسرية.

وأكمل حديثه أن من بين الأسباب أيضًا ما يتعلق بالدخل المتوقع من هذه المهنة، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، ما يدفع بعض الطالبات إلى التوجه نحو تخصصات يعتقد بأنها تفتح افاقا أوسع للدخل أو فرصاً أوسع للترقي المهني.

وبين خويلة ان نقص الكوادر التمريضية من أبرز التحديات التي تواجه النظم الصحية ولما له من تأثيرات مباشرة وسلبية على جودة ومستوى الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين وبدوره يؤدي هذا النقص إلى زيادة العبء على الكادر الموجود مما يرفع معدلات الإرهاق والضغط النفسي والجسدي لدى الممرضين ، وللارتقاء بمهنة التمريض دعا الى تحسين ظروف العمل والرواتب بما يتناسب مع الجهد المبذول وتوفير بيئات عمل داعمة وآمنة نفسيًا ومهنيًا للحد من الاستقالات وهجرة الكوادر.

واكد على أهمية تعزيز التعليم التمريضي المتخصص وهو خطوة ضرورية من خلال تطوير برامج إعداد ممرضين متخصصين في العناية المركزة والطوارئ وغسيل الكلى وغيرها من المجالات الحساسة، مضيفا أن هناك اهمية في تحفيز الكوادر التمريضية على الاستمرار والعطاء من خلال برامج منح، وتقدير وظيفي، وحوافز مهنية مستمرة، مما يسهم في استقرار النظام الصحي ورفع كفاءة وجودة الرعاية المقدمة للمواطنين.