الدهون: الأوضاع الاقتصادية والمالية ضاغطة على الشباب
خويلة: الاكتئاب يتجاوز الحالة المزاجية ليؤثر على الإنتاجية والعلاقات
الأنباط – آية شرف الدين
مع تسارع وتيرة الحياة الحديثة وتبدل بأنماط العادات والتقاليد، إضافة إلى الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، يواجه الشباب والمراهقون في الأردن تزايدًا ملحوظًا في معدلات الاكتئاب والقلق النفسي.
وتشير دراسة نشرت في صحيفة The Jordan Times عام 2024 إلى أن 16.6% من الأطفال و23% من المراهقين يعانون من اكتئاب حاد، فيما يعاني 25.8% من المراهقين من القلق، لتؤكد الأرقام أن الفئة الأكثر عرضة تقع بين أعمار 18 و25 عامًا.
لا يخلف اثنان على ان هذه النسب المقلقة وتكشف حجم التحدي الذي يواجه المجتمع الأردني، خاصة وأن مختصين يؤكدون أن الأسباب الرئيسية للاكتئاب ترتبط بتعقيدات الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، إلى جانب ضغوطات الحياة اليومية والتأثير المتسارع للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي.
التحديات الاقتصادية
في حديثه لـ”الأنباط”، أشار المرشد النفسي والتربوي محمد عيد الدهون إلى أن التحديات الاقتصادية تأتي في مقدمة أسباب ارتفاع حالات الاكتئاب بين الشباب. فالشباب يواجهون ضغوطًا كبيرة من تكاليف الحياة اليومية، وعبء الدراسة والعمل، إضافة إلى الضغوط الاجتماعية والعجز المالي.
وأضاف الدهون أن التغيرات الاجتماعية المتسارعة في القيم والعادات ونمط الحياة تؤدي بدورها إلى شعور متزايد بالعزلة والانفصال عن المحيط. كما أن منصات التواصل الاجتماعي تسهم في تعميق هذا الشعور من خلال المقارنة المستمرة مع الآخرين، وانخفاض تقدير الذات، فضلًا عن ظاهرة التنمّر الإلكتروني التي تزيد من الإحساس بعدم الرضا الذاتي.
وبيّن أن البطالة، وعدم الاستقرار المالي، وتراكم القروض تعد من أبرز الأسباب التي تغذي القلق والخوف من المستقبل لدى الشباب، وتحوّل هذه الضغوط الاقتصادية إلى عبء نفسي ثقيل.
ولفت الدهون إلى وجود عوامل بيولوجية ووراثية ترفع بدورها احتمالية الإصابة بالاكتئاب، مشيرًا إلى أن الإناث أكثر عرضة للإصابة به مقارنة بالذكور، بسبب التغيرات الهرمونية وحدّة المشاعر، إلى جانب الحرج من طلب المساعدة، ما يجعل الاضطرابات النفسية تتفاقم وتزداد حدتها.
وأكد أن مواجهة الاكتئاب تتطلب دعمًا سلوكيًا ونفسيًا من خلال ممارسة الرياضة والهوايات، وتعزيز التواصل مع العائلة والأصدقاء، والعمل بروح الفريق، إضافة إلى ضرورة تجاوز الخجل من اللجوء إلى المختصين عند الحاجة.
ما هي ملامح الاكتئاب؟
أما الدكتور محمد خويلة، المتخصص في علم الاجتماع الإعلامي، فعرّف الاكتئاب بأنه حالة مرضية تنعكس في انخفاض المزاج وفقدان المتعة والاهتمام بالنشاطات المعتادة، ما يؤثر بشكل مباشر على التفكير والسلوك ويؤدي إلى مشكلات عاطفية وجسدية، كاضطراب النوم وفقدان الشهية والشعور بالذنب وضعف التركيز.
وبيّن خويلة أن هناك أسبابًا وراثية وبيئية وراء ارتفاع نسب الاكتئاب بين الشباب، حيث تزداد المخاطر عند وجود تاريخ عائلي للمرض، إلى جانب عوامل خارجية مثل المشكلات الأسرية والضغوط الدراسية والوظيفية وفقدان الأحبة. وأكد أن تجارب الطفولة الصعبة مثل الإهمال أو الاعتداء تشكل بدورها أرضية خصبة للإصابة بالاكتئاب لاحقًا.
وأشار إلى أن الضغوط النفسية والاجتماعية في المدرسة والجامعة، وانخفاض تقدير الذات، والتقييم السلبي من الأقران، كلها عوامل تزيد من تفاقم الأعراض. أما التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي فقد أصبحت جزءًا رئيسيًا من المشكلة، حيث يقضي الشباب ساعات طويلة على المنصات الرقمية، مما يرتبط باضطرابات النوم، والشعور بالنقص أو العزلة، وبالتالي زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب.
تأثيرات اقتصادية وسياسية
وأكد خويلة أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تلعب دورًا محوريًا في تفاقم الظاهرة. فالضغوط الاقتصادية على الأسر، خاصة في الطبقات الوسطى والدنيا، ترتبط مباشرة بارتفاع أعراض الاكتئاب والقلق، بل وحتى التفكير الانتحاري لدى المراهقين. وأوضح أن انخفاض الوضع الاجتماعي والاقتصادي يضاعف الضغط النفسي نتيجة نقص الدعم والبطالة وتراجع الفرص.
كما أشار إلى أن غياب الاستقرار السياسي والحروب والتغيرات الاجتماعية كلها عوامل تضاعف الإحساس بانعدام الأمان والقلق المستمر، وهو ما يرفع معدلات الاكتئاب في أوساط الشباب بشكل ملحوظ.
انعكاسات خطيرة على العمل والعلاقات الاجتماعية
وأوضح خويلة أن الاكتئاب لا يقتصر على الحالة المزاجية للفرد، بل يمتد ليؤثر على الإنتاجية المهنية، حيث تعيق الإصابة به الأداء الوظيفي وتؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وارتفاع نسب الغياب وتراجع الحضور الذهني، ما ينعكس في زيادة الأخطاء وبطء الإنجاز.
أما على الصعيد الاجتماعي، فتشير الدراسات إلى أن الاكتئاب يؤدي إلى تدهور العلاقات الشخصية، إذ غالبًا ما يتجه المصابون إلى الانعزال وتقليل المشاركة في التفاعلات الاجتماعية والجماعية.
الحاجة إلى استجابة مجتمعية ومؤسساتية
وشدد خويلة على أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني في مواجهة هذه الظاهرة، عبر تقديم الدعم النفسي والتوعية، وتوفير خدمات الإرشاد والعلاج، إلى جانب دعم الأسر والتشجيع على كسر الوصمة المرتبطة بالأمراض النفسية.
كما دعا إلى زيادة الاستثمار في خدمات الصحة النفسية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الصحة العامة، وتعزيز البيئات الداعمة في المدارس والجامعات، وتبني برامج شاملة للتعلم الاجتماعي والعاطفي، بما يساعد في مواجهة العنف والتنمر الإلكتروني، ويدعم بناء جيل أكثر قدرة على مواجهة الضغوط النفسية.