نبض البلد -
تقديرات بوجود 100 ألف طفل عامل في المملكة
الزيود: 52 مخالفة بحق أصحاب العمل المخالفين في النصف الأول
خزاعي: تشغيل الأطفال نتيجة قسوة الظروف وليس خيارًا طوعيًا
الدهون: حرمان الطفل من التعليم واللعب يهدد صحته النفسية والاجتماعية
الأنباط – آية شرف الدين
عمالة الأطفال في الأردن ليست مجرد ظاهرة اجتماعية، بل هي مأساة إنسانية تعكس تداخل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.
ففي حين تبذل وزارة العمل جهودًا قانونية ورقابية للحد منها، يظل العامل الاقتصادي وضيق ذات اليد هو المحرك الرئيس، مما يجعل الحلول تتطلب تدخلًا شاملًا يجمع بين التشريع، الحماية الاجتماعية، وتغيير الثقافة المجتمعية.
وفي الوقت الذي يُفترض فيه أن يقضي الأطفال أيامهم بين مقاعد الدراسة وساحات اللعب، نجد الكثير منهم على أرصفة الشوارع أو خلف طاولات العمل، يبحثون عن دخل يسد رمقهم ويساعد أسرهم على مواجهة صعوبات المعيشة.
وفي أعمار مبكرة، يتحمل هؤلاء الأطفال مسؤوليات تفوق طاقتهم، محرومين من أبسط حقوقهم في التعليم واللعب، وواقعين تحت ضغوط الحاجة والعوز.
وبات مشهد الأطفال العاملين في المحال التجارية، أو المشتغلين في مهن شاقة وخطرة، مألوفًا في المجتمع، حتى أن البعض بات يتعامل معه كأمر طبيعي، رغم ما يحمله من أبعاد إنسانية واجتماعية واقتصادية خطيرة.
الزيود: مخالفات وإنذارات وخطط للحد من الظاهرة
وكشف الناطق الرسمي باسم وزارة العمل محمد الزيود أن عدد حالات عمل الأطفال المسجلة خلال النصف الأول من العام الحالي 2025 بلغ 106 حالات، فيما تم توجيه 18 إنذارًا لأصحاب العمل المخالفين، وتسجيل 52 مخالفة بحق من يشغلون أطفالًا.
وأشار إلى أن الوزارة نفذت نحو 31 نشاطًا توعويًا للحد من الظاهرة، وتلقت 16 بلاغًا رسميًا حول حالات عمل أطفال.
وأوضح الزيود أن فرق التفتيش في الوزارة نفذت حملتين متخصصتين على القطاعات الاقتصادية التي يكثر فيها تشغيل الأطفال، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين. أما بالنسبة للأطفال العاملين، فقد جرى تحويلهم إلى وزارة التنمية الاجتماعية عبر نظام عمل الأطفال لدراسة أوضاعهم وتوفير الخدمات التعليمية والتربوية والاقتصادية والنفسية اللازمة.
وأضاف أن الوزارة تشارك في مجموعة العمل الوطنية للحد من عمل الأطفال، وتعمل ضمن الاستراتيجية الوطنية للحد من عمل الأطفال (2022 – 2030)، التي يتابع المجلس الوطني لشؤون الأسرة تنفيذها وتقييمها.
ودعا الزيود المواطنين إلى الإبلاغ عن أي حالة تشغيل أطفال مخالفة للقانون عبر قنوات الوزارة الرسمية، بما في ذلك منصة الحماية ونظام عمل الأطفال.
وتشير التقديرات الصادرة عن المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال" إلى أن عدد الأطفال العاملين في الأردن قد شهد ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة. حيث أن المسح الوطني لعمل الأطفال عام 2016 بين أن العدد كان يبلغ نحو 76 ألف طفل منهم 45 ألفا يعملون في مهن خطرة. وتوقع "بيت العمال" أن يتجاوز العدد الحالي للأطفال العاملين في الأردن 100 ألف طفل.
خزاعي: العمل داخل الأسرة انتماء.. وخارجها مأساة
من جانبه، أوضح أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي أن مشاركة الأطفال في الأعمال المنزلية أو مساعدة أسرهم داخل البيت يُعد شكلًا من أشكال الانتماء الأسري والتكاتف الاجتماعي، وغالبًا ما يتم ذلك دون أجر وبهدف تخفيف الأعباء عن الوالدين أو الإخوة.
لكن خزاعي شدد على أن تشغيل الأطفال خارج نطاق الأسرة يعد عمالة بالمعنى السلبي، إذ يكون الهدف منه الحصول على أجر لدعم احتياجات الأسرة، وهو ما يعرّضهم لآثار سلبية عميقة، من بينهاالانخراط في أعمال شاقة لا تناسب أعمارهم. والتعرض للمخاطر المهنية والانحراف مثل الجريمة أو الإدمان. والتسرب المدرسي وحرمانهم من حقهم في التعليم والنمو السليم.
وأكد أن الأسر لا تلجأ إلى تشغيل أطفالها إلا تحت ضغط ظروف اقتصادية قاسية، مستشهدًا بالمثل الشعبي: "ما الذي يجبرك على المر إلا ما هو أمر منه”.
الدهون: آثار نفسية واجتماعية خطيرة
أما المرشد النفسي والتربوي محمد عيد الدهون، فحذر من الأضرار النفسية والاجتماعية لعمالة الأطفال، مبينًا أن العمل في ظروف قاسية ولساعات طويلة وبأجور منخفضة، إلى جانب التعرض للعنف الجسدي أو اللفظي وربما التحرش، ما قد يسبب للأطفال الاكتئاب والقلق. واضطراب ما بعد الصدمة. وضغوطًا نفسية حادة.
وأشار إلى أن حرمان الأطفال من فرص اللعب والتعليم يؤثر سلبًا على نموهم الاجتماعي، ويغرس فيهم قيمًا سلبية مثل الخوف، انعدام الثقة، وتدني تقدير الذات.
ودعا الدهون إلى ضرورة توفير بيئة آمنة للطفل، وإشراكه في أنشطة تعليمية تنمي مهاراته ومعارفه، حتى يكون في المستقبل عاملاً صاحب فكر، لا مجرد قوة عمل بلا رؤية.
كما شدد على أهمية تطبيق قوانين عمل صارمة، وضمان التعليم المجاني والإلزامي، وتعزيز الوعي المجتمعي بحقوق الطفل كخطوات أساسية للحد من الظاهرة.