نبض البلد - ذاكرة حياة
ابراهيم ناصر
يبدو أنه مع تقدم العمر وبوادر ظهور أعراض الزهايمر تنتعش الذاكرة البعيدة فتستحضر صورا من الماضي هكذا تفعل ذاكرتي باستحضار صور من عمان القديمة .
- صورة لحركة نزوح لعائلات تقطع النهر هروبا باتجاه الشرق كأنه قدرها أن تسير على طريق رسمتها خطوات أمهم الأولى هاجر وأبيهم ابراهيم
- صور لأطفال ونساء يملأ عيونهم الرعب ورجال يقتلهم القهر والانكسار ونظرات خالية من أي تعابير تمتد بعيدا الى المالا نهاية وأيدي تتلمس قشة تتعلق بها كي لا تغرق في المجهول.
- صورة لسيل عمان الشريان الرئيس الذي كان يمدها بالحياة على ضفتيه ذابت كل الهويات الفرعية وتساوت في فقرها وزرعت بذرة المدنية لهذه المدينة الناشئة
- على سيل عمان تعارفنا وتمازجنا وفي مياهه تعمدنا فصرنا عمانيين
- نعقت الغربان في أيلول ملبد بالغيوم. تقاتل الأخوة وتحاربوا على ضفتي السيل فكان الموت لكن عمان قاومت وحافظت على وحدتها.
- نهضت عمان وداوت جراحها ولم يتمزق نسيجها الاجتماعي وراحت تشق طريقها نحو المدنية أزالت الشوائب عن شخصيتها وهويتها واغتسل أهلها في مياه السيل وتعمدوا ثانية فتساووا.
- صورة لطلاب وطالبات المدارس في زيهم الموحد وقت الظهيرة تلغى فيها كل الفوارق الطبقية فالزي يوحدهم.
- صور لمواقع انطبعت في الذاكرة، برك السباحة يصنعها الأولاد على امتداد السيل , ساحة المدرج الروماني أيام الأعياد، عائلات تصطف على أبواب سينما الرينبو، وسينما الخيام، ومسرح اللويبدة، بأجمل ثيابهم وزينتهم بأناقة، لمشاهدة فيلم السهرة او مسرحية. الكل يبحث عن الفرح
- صور لمقهى الجامعة والسنترال رجال وشباب وطاولات الزهر وورق الشدة أصوات تتعالى وتختلط، شيش بيش , باصرة ,هب اليك, هند , جهار وسي , والرهانات، دورة شاي، وينسون، واينر، وكازوز.
- صور للحسبة على جانب السيل، الحمالون والعتالة يعرضون خدماتهم، نساء بمختلف الأزياء الشعبية والحديثة، أولاد يتخاطفون حبات الفواكه من البسطات، باعة يدللون على بضائعهم،
- صورة لنساء يغسلن الملابس على ضفة السيل، واطفال يستحمون ويتسبحون، رجال يدبغون الجلود، والسيل يساوي بين الجميع.
- صورة لمساءات عمان، عائلات يتمشون على الدوار الثاني، معاكسات خفيفة للصبايا، خجل ودلال، بائعون متجولون للترمس والبليلة والاسكيمو والبوظة، صخب وفرح وبذرة المدنية في عمان تنمو وتكبر.
---فجأة تم ردم السيل وسقفه، فجف الشريان وبدأت عمان تذوي فهربت بعيدا عن قلبها وامتدت غربا فاغتربت ....