نبض البلد -
في تطور لافت ومثير، كشفت التحقيقات الجارية في الأردن عن واحدة من أخطر شبكات التمويل غير القانوني التي مارستها جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، بعد رصد تدفقات مالية تجاوزت 30 مليون دينار أردني خلال السنوات الماضية، جُمعت وأنفقت خارج إطار القانون وبعيدًا عن الرقابة الرسمية.
أموال تحت الأرض
بحسب ما كشفته المصادر ، فإن التحقيقات أظهرت أن الجماعة استطاعت خلال أقل من ثمانية أعوام جمع أموال طائلة من مصادر متعددة، تضمنت تبرعات فردية، أوقاف، اشتراكات شهرية، واستثمارات عقارية، دون تسجيل هذه الأموال لدى الجهات المختصة أو إخضاعها للأنظمة المالية الرسمية في البلاد
المثير أن السلطات ضبطت جزءًا من هذه الأموال – تقدر بـ أربعة ملايين دينار نقدًا – داخل منازل ومستودعات تابعة لأشخاص على صلة بالجماعة، بعضها مخبأ بطريقة توحي بمحاولة إخفاء مدروسة، في مشهد يذكر بممارسات الجماعات السرية والمنظمات العابرة للحدود.
تحويلات مشبوهة وتهريب مالي
التحقيقات أشارت إلى أن الجماعة استخدمت شبكة متداخلة من التحويلات المالية عبر شركات صرافة وأفراد يعملون كوكلاء، حيث كان يتم تحويل الأموال من الدينار إلى الدولار، ومن ثم شحنها خارج الأردن نقدًا أو عبر أدوات مالية يصعب تتبعها. كما تم استثمار جزء من هذه الأموال داخل المملكة في عقارات وأراضٍ مسجلة باسماء قيادات من الجماعة أو محسوبين عليها، ما يشير إلى بنية اقتصادية موازية تُدار في الخفاء.
توظيف سياسي للأموال
الجانب الأخطر في القضية يكمن في استخدام هذه الأموال لأغراض سياسية داخلية، منها تمويل أنشطة انتخابية طلابية ونقابية، دعم احتجاجات وتحركات ميدانية، صرف رواتب شهرية لقيادات ونشطاء محسوبين على الجماعة، ودعم أحد الأحزاب السياسية بشكل مباشر، وفق ما أظهرته بيانات التحقيق.
كما تم رصد استخدام حملات التضامن مع قطاع غزة كغطاء لجمع الأموال، والتي تم توجيه جزء كبير منها لأجندات سياسية داخلية وليس للإغاثة، ما يمثل استغلالًا ساخرًا للمشاعر العامة، وتلاعبًا خطيرًا بثقة المتبرعين.
توقيفات وتحقيقات مستمرة
أعلنت الجهات الأمنية عن توقيف 11 شخصًا تورطوا في القضية، إضافة إلى التحقيق مع آخرين بكفالات مالية. وتشير المعطيات إلى أن القضية لا تزال في مراحلها الأولى، وأن الأجهزة الرقابية تعمل على تتبع شبكة المصالح المرتبطة بهذه الأموال، محليًا وخارجيًا.
بين المال والتنظيم: ماذا تعني هذه التحقيقات؟
ما كشفت عنه السلطات ليس مجرد جريمة مالية، بل دليل قاطع على وجود بنية اقتصادية موازية تابعة لتنظيم سياسي محظور، تعمل بمعزل عن القانون، وتستخدم المال كأداة اختراق للدولة والمجتمع. وهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها فضح مثل هذه الأنشطة، لكنها المرة الأوضح والأكثر توثيقًا.
المخاطر لا تقف عند حدود التهرب الضريبي أو خرق الأنظمة المالية، بل تمتد إلى زعزعة الاستقرار، وتعميق الانقسامات، واستخدام أدوات الدولة في لعبة سياسية قذرة هدفها تفكيك البنية الوطنية من الداخل.
لا مجال للتسامح
ما يجري اليوم ليس مجرد ملف مالي، بل معركة سيادة، تخوضها الدولة ضد تنظيم يعمل في الظل، يمتلك أدوات مالية وإعلامية وتنظيمية. لذلك، فإن الحسم القانوني، والمحاسبة الشفافة، وفضح الشبكات الداعمة له، باتت أولوية وطنية لا تحتمل التأجيل