مؤشرات قوية.. الاقتصاد الوطني يتعافى ومطالبات بالبناء على ما تحقق
الجغبير: المؤشرات الحالية تبشر بإمكانية تحقيق نتائج إيجابية أكبر مع نهاية العام
منصور: الصناعات التحويلية تقود النمو مدعومة بإصلاحات وتشريعات واستقرار تضخم
الرحاحلة: قطاع الصناعة يعزز النمو عبر إجراءات تطويرية وتوسعية رغم التحديات
الزعبي: النمو الزراعي مدعوم بالإنتاجية والتكنولوجيا لكنه مهدد ما لم تستكمل الإصلاحات
المجالي: خطة الزراعة المستدامة ومحفظة تمويلية بـ160 مليون دينار قادت النمو للعام الثاني
المصري: الأرقام مبشرة لكن غياب البيانات الكاملة يضعف القدرة على قياس الإنجاز الحقيقي
أبو ديه: الاقتصاد الأردني يبدأ مرحلة التعافي وسط تحديات كبرى وفرص واعدة
الأنباط – رزان السيد ، مي الكردي ، عمر الخطيب
بدأ الاقتصاد الوطني يخطو نحو مرحلة التعافي، رغم استمرار التحديات الكبرى، وفي مقدمتها ارتفاع أسعار الطاقة، والبطالة، والمديونية العامة، ونسب الفقر.
استمرار وجود هذه التحديات لا يعني بالضرورة أننا لا نشهد تحسننا في بعض المؤشرات وتقدم في الكثير من الملفات، فالبطالة في تراجع والصادرات بارتفاع والنمو يتزايد.
ورغم الظروف الإقليمية المعقدة، سجّل الاقتصاد الأردني نموًا ملحوظًا خلال الربع الأول من عام 2025 بنسبة بلغت 2.7%، مقارنة بـ2.2% خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، مدفوعًا بأداء قوي في معظم القطاعات، رغم التحديات الإقليمية والدولية المتزايدة. وتصدر القطاع الزراعي قائمة النمو بنسبة 8.1%، مساهمًا بـ0.45 نقطة مئوية في الناتج المحلي الإجمالي، تلاه قطاع الكهرباء والمياه بنمو بلغ 5.8%، ثم الصناعات التحويلية بنسبة 5.1%، والتي سجلت أكبر مساهمة في النمو بـ0.88 نقطة مئوية، إضافة إلى قطاع الخدمات الاجتماعية والشخصية الذي حقق نموًا نسبته 3.4%.
ويعكس هذا الأداء الديناميكي مرونة الاقتصاد الأردني، لا سيما في ظل تراجع معدل البطالة بشكل طفيف، واستقرار معدل التضخم عند مستويات آمنة دون 2%. كما عززت المؤشرات الإيجابية الأخرى، مثل ارتفاع الصادرات بنسبة 10%، وتجاوز الاحتياطيات الأجنبية حاجز 23 مليار دولار، وزيادة الودائع البنكية إلى 43 مليار دينار، إلى جانب نمو الدخل السياحي بنسبة 15% وارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي بنسبة 14%، من ثقة المستثمرين والقطاع الخاص بمستقبل الاقتصاد الوطني.
ويُعزى هذا الزخم إلى دعم السياسات الحكومية المتبعة ضمن رؤية التحديث الاقتصادي، وبرامج التحول الرقمي والمكننة الزراعية، إلى جانب تطبيق حزمة واسعة من الإجراءات التحفيزية، بلغ عددها أكثر من 94 إجراءً، استهدفت دعم القطاعات الإنتاجية وتعزيز التنافسية.
ورغم استمرار التحديات، إلا أن المؤشرات الراهنة تفتح الباب أمام تعافٍ تدريجي ومستدام، وتغذّي الآمال بتحقيق نتائج اقتصادية أفضل مع نهاية العام.
لكن تبقى الإشكالية الكبرى والسؤال الأهم حول كفاية هذه المؤشرات الإيجابية لبناء اقتصاد متين قادر على الصمود أمام الأزمات، أم أن الطريق لا يزال طويلًا وشاقًا نحو تحقيق الاستقرار والنمو المنشود؟
وفي هذا السياق، أكد رئيس غرفتي صناعة عمان والأردن فتحي الجغبير أن مؤشرات النمو الاقتصادي بشكل عام، ونمو القطاع الصناعي بشكل خاص، تعكس حيوية هذا القطاع وتبعث على التفاؤل، مشيرًا إلى أن الأرقام الحالية تبشر بإمكانية تحقيق نتائج إيجابية أكبر مع نهاية العام.
الظروف الإقليمية الضاغطة
بدوره، أوضح وزير الدولة الأسبق لشؤون الاقتصاد، الدكتور يوسف منصور، أن تسجيل نمو في الناتج المحلي الإجمالي بمقدار نصف نقطة مئوية مقارنة بالعام الماضي يُعد مؤشرًا إيجابيًا، خاصة في ظل الظروف الإقليمية الضاغطة. واعتبر أن هذا النمو، وإن كان محدودًا، يكتسب أهمية لكونه ترافق مع انخفاض في معدل البطالة، ولو بشكل طفيف بنسبة 0.1%.
وبيّن منصور أن قطاع الصناعات التحويلية لعب دورًا محوريًا في دعم النمو الاقتصادي، مشيرًا إلى أن تحسّن الناتج المحلي جاء نتيجة عوامل متعددة، أبرزها الاستقرار التشريعي، والسياسات الاقتصادية المدروسة، إضافة إلى تحديثات مؤسسية وتحفيزات حكومية فاعلة، حيث نفذت الحكومة أكثر من 94 إجراءً تحفيزيًا شملت عدة مجالات، من بينها الصناعات التحويلية التي استفادت من دعم مباشر وسياسات رشيدة.
وأشار منصور إلى ضرورة أن تضع دوائر صنع القرار قطاع الصناعات التحويلية في مقدمة الأولويات، نظرًا لإسهامه الواضح في النمو بنسبة 0.88 نقطة مئوية، وهي الأعلى بين القطاعات. وأكد أن التراجع الطفيف في معدلات البطالة يُعد طبيعيًا في أي اقتصاد ينتقل تدريجيًا من معدلات بطالة مرتفعة إلى مستويات أقل، معتبرًا المسار الحالي إيجابيًا.
كما لفت إلى أن نسب التضخم لم تُعلن بعد، غير أن العادة جرت أن ترافق معدلات النمو الاقتصادي زيادة في التضخم، إلا أن الوضع الحالي مطمئن، حيث لا تزال معدلات التضخم دون 2%، وهو مستوى يُعد جيدًا ويدعم الاستقرار الاقتصادي.
وأضاف منصور أن استدامة النمو في قطاع الصناعات التحويلية مشروطة باستمرار الحكومة في نهجها الإصلاحي القائم على تمكين الاقتصاد الوطني، مشيرًا إلى أن "الحكومة هي البطل الحقيقي” خلف هذا التحول الإيجابي في المؤشرات الاقتصادية، منوهًا بالدور البارز الذي يؤديه رئيس الوزراء جعفر حسان في تطبيق رؤية التحديث الاقتصادي بكافة تفاصيلها، من خلال متابعته الحثيثة لأداء الوزارات والتزامها بتنفيذ ما ورد في الرؤية دون استثناء.
أداء قوي للقطاع الصناعي
وفيما يتعلق بالقطاع الصناعي، أوضح مدير عام غرفة صناعة الأردن، الدكتور حازم الرحاحلة، أن الأداء القوي لهذا القطاع جاء مدفوعًا بالنمو التاريخي الذي شهدته الصناعات التحويلية، إلى جانب تحسّن ملحوظ في قطاع الكهرباء والمياه. وأشار إلى أن الغرفة، بالتنسيق مع الحكومة، تعمل على تنفيذ سلسلة من الإجراءات النوعية الهادفة إلى تعزيز دور الصناعة في دعم النمو الاقتصادي وتوليد فرص العمل.
وأكد الرحاحلة أن الجهود الحالية تشمل تطوير أدوات جديدة تُمكّن الصناعات الأردنية من الوصول إلى أسواق غير تقليدية، وتوسيع نطاق الشحن الجوي والتجارة الإلكترونية، إلى جانب تنفيذ مشروع تتبّع المنتجات الغذائية بهدف تيسير دخولها إلى الأسواق الأوروبية والأميركية.
وفي الوقت نفسه، أشار إلى وجود بعض التحديات والإشكاليات ذات الطابع الإجرائي والتنظيمي، والتي يُجرى العمل على معالجتها ضمن خطة متكاملة. وأكد التزام الغرفة بإصدار تقارير شهرية ترصد هذه التحديات ومستوى التقدّم في التعامل معها، بهدف تعزيز قدرة الصناعة الأردنية على الحفاظ على زخم النمو واستثمار الفرص المستقبلية بفعالية.
القطاع الزراعي يسجّل نموًا تاريخيًا مدفوعًا بالمكننة والتحول الرقمي
وبخصوص الزراعة، أكد خبير الأمن الغذائي، الدكتور فاضل الزعبي، أن القطاع الزراعي شهد نموًا لافتًا في الربع الأول من عام 2025، مسجّلًا نسبة 8.1٪، ساهمت بـ0.45 نقطة مئوية من إجمالي نمو الناتج المحلي البالغ 2.7٪. ولفت إلى أن مؤشر أسعار المنتجين الزراعيين ارتفع إلى 111.5 نقطة خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام، مقارنة بـ102 نقطة للفترة نفسها من عام 2024، أي بزيادة قدرها 9.3٪.
وأشار الزعبي إلى أن الصادرات الزراعية الوطنية ارتفعت بنسبة 11.7٪ مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، ما يعكس تحسّن تنافسية المنتجات الأردنية في الأسواق الخارجية. كما شهدت المخزونات الاستراتيجية من الحبوب تحسنًا واضحًا، حيث تكفي احتياطات القمح لاستهلاك 10.4 أشهر، والشعير 8.5 أشهر، ما يعزز منظومة الأمن الغذائي الوطني.
التحول الرقمي والمكننة الزراعية كرافعة تنموية
وبيّن الزعبي أن التحول الرقمي والمكننة الزراعية شكّلا ركيزة رئيسية في تعزيز نمو القطاع، من خلال رفع الإنتاجية وتحسين الجودة وتقليل الفاقد، فضلًا عن تسهيل الوصول للأسواق، ودعم اتخاذ القرار القائم على البيانات. وأوضح أنه تم إدخال أنظمة ري ذكية ومجسات بيئية ساهمت في ترشيد استخدام المياه وزيادة كفاءة استخدام الأسمدة، إلى جانب مكننة العمليات الزراعية مثل الحراثة والزراعة والحصاد، ما أسهم في خفض التكاليف التشغيلية وزيادة الكفاءة.
وأضاف أن المنصات الرقمية، وعلى رأسها منصة "أرضنا”، لعبت دورًا محوريًا في توفير معلومات مناخية وتوصيات زراعية لحظية للمزارعين، كما ساهم تحليل البيانات الزراعية في تحسين السياسات وتوجيه الإنتاج والتصدير بذكاء. وأشار إلى أن التطبيقات الذكية مكنت المزارعين من تسويق منتجاتهم مباشرة إلى المستهلك أو التاجر، ما قلّص من دور الوسطاء وزاد من دخل المزارعين. كما استخدمت هذه الحلول الرقمية لربط المزارعين بأنظمة الإقراض الزراعي من خلال تقييم رقمي للجدارة الائتمانية.
وفي السياق ذاته، أظهرت بيانات وزارة الزراعة أن مشاريع المكننة المدعومة ساهمت في رفع إنتاجية وحدة المساحة بنسبة تصل إلى 15٪ لبعض المحاصيل، وتم تمويل أكثر من 900 مشروع مكننة صغيرة ومتوسطة بين عامي 2022 و2024، ضمن برامج تمكين المزارعين.
الزراعة المائية والعضوية تعزز الاستدامة والأمن الغذائي
وأشار الزعبي إلى أن مشاريع الزراعة المائية والعضوية لعبت دورًا محوريًا في دعم الأمن الغذائي وتحقيق الاستدامة، لا سيما في ظل شح الموارد المائية وارتفاع تكاليف الإنتاج. وساهمت هذه المشاريع في رفع نسب الاكتفاء الذاتي وزيادة الإنتاج المحلي من الخضراوات من خلال التوسع في الزراعة المحمية والمغلقة، وإنشاء مخازن استراتيجية لتخزين الحبوب والمواد الغذائية.
وأضاف أن برامج دعم صغار المزارعين في الأغوار والبادية ساهمت في توسيع الرقعة الزراعية المنتجة وزيادة دخل الأسر الزراعية. أما الزراعة المائية، فمكنت من تحقيق إنتاجية تصل إلى عشرة أضعاف مقارنة بالزراعة التقليدية، مع تقليص استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 90٪، ما يجعلها حلًا مثاليًا في المناطق شحيحة المياه مثل المفرق ومعان، فضلًا عن قدرتها على ضمان استمرارية الإنتاج على مدار العام.
نمو قابل للاستدامة بشرطين
وفي ما يتعلق بإمكانية استدامة هذا النمو، أوضح الزعبي أن هناك عوامل هيكلية تدعم هذا الاتجاه، من أبرزها التحول التدريجي في السياسات، وتفعيل النظام المعدل لمجلس الأمن الغذائي، وتزايد الاستثمارات في المكننة والتحول الرقمي، بالإضافة إلى دخول جيل من الشباب والمهنيين إلى القطاع الزراعي بالاعتماد على التعليم المتقدم والتكنولوجيا.
لكنه شدد في المقابل على ضرورة ترسيخ الإصلاحات المؤسسية والتشريعية، وتفعيل مرجعية وطنية موحدة للأمن الغذائي، إلى جانب تعزيز الاستثمار طويل الأمد في البنية التحتية الزراعية وسلاسل القيمة والابتكار، خاصة في ظل تصاعد تحديات التغير المناخي.
تحديات باقية رغم النمو
ورغم المؤشرات الإيجابية، أكد الزعبي أن القطاع الزراعي لا يزال يواجه تحديات معقدة، أبرزها غياب الحوكمة التشاركية والأزمة المؤسسية. وأوضح أن تنظيم الإنتاج الزراعي يواجه مشكلات تتعلق بضعف الفعالية والتخطيط، إلى جانب التغيرات المناخية المتسارعة، وضعف التسويق، والتأخر في تبني التكنولوجيا الحديثة.
وأشار أيضًا إلى تحديات أخرى تتمثل في ضعف الصناعات الغذائية والزراعية، ومحدودية قدرات البحث العلمي، وتراجع إنتاج البذار، وهشاشة منظومة مستلزمات الإنتاج، فضلًا عن العقبات الجيوسياسية وتعطل النفاذ إلى الأسواق، وضعف استجابة المؤسسات الرسمية للأزمات، والتحديات الاجتماعية والديموغرافية المرتبطة بالعاملين في القطاع الزراعي.
الخطة الوطنية والزراعات التصديرية تقود النمو الزراعي للعام الثاني
أوضح الناطق الإعلامي باسم وزارة الزراعة، لورانس المجالي، أن تصدُّر القطاع الزراعي لمعدلات النمو للعام الثاني على التوالي جاء نتيجة مباشرة لتطبيق الخطة الوطنية للزراعة المستدامة، التي ارتكزت على عدة محاور استراتيجية، أبرزها تطوير منظومة الإرشاد الزراعي، وتوجيه الإنتاج نحو الزراعات التصديرية، إلى جانب تأسيس شركة متخصصة لتسويق المنتجات الزراعية.
وأشار المجالي، في حديثه لـ”الأنباط”، إلى أن المحفظة التمويلية للقطاع الزراعي شهدت تعزيزًا ملموسًا، حيث تم ضخ أكثر من 160 مليون دينار، معظمها بدون فوائد، ما أسهم في تحفيز الإنتاج وتوسيع رقعة الزراعة المنظمة.
وأضاف أن الشراكة مع القطاع الخاص وتشجيع الاستثمارات الزراعية والصناعات الغذائية أسهما في زيادة الصادرات التراكمية خلال العامين الماضيين، ما انعكس إيجابًا على أداء القطاع برمته، وساهم في تعزيز دوره في الأمن الغذائي وتوليد الدخل.
وفيما يخص الأمن الغذائي، أكد المجالي أن الوزارة عملت على تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من المحاصيل الأساسية، مع الاستمرار في الاستيراد التكميلي لبعض الأصناف، بما يضمن توافر المنتجات الزراعية بالكميات والأسعار والجودة المناسبة للمستهلكين.
وأشار كذلك إلى أهمية بعض المحاصيل ذات القيمة الاقتصادية العالية، مثل زيت الزيتون والتمور، إضافة إلى الخضار والفواكه، والتي يتم تصديرها إلى أكثر من 60 دولة، إلى جانب صادرات مدخلات الإنتاج كالبذور والمبيدات والعلاجات البيطرية.
وأكد أن وزارة الزراعة ماضية في تطوير القطاع ضمن خطة واضحة المعالم، تشمل تحديث الإرشاد الزراعي، وضمان استدامة التمويل، وتعزيز الاستثمار، وتوسيع الشراكة مع القطاع الخاص، إلى جانب دعم التوسع في الصناعات الغذائية.
كما لفت المجالي إلى أن الصادرات ساهمت بشكل ملموس في نمو القطاع الزراعي ودعم المزارعين، من خلال التوسع في الزراعات التصديرية، وسد فجوات العجز المحلي. وإضافة إلى الأسواق الخليجية التقليدية، تم فتح أسواق جديدة في 16 دولة أوروبية وآسيوية، ما عزّز فرص التصدير ورفع تنافسية المنتجات الأردنية عالميًا.
التحول الرقمي ساهم في النمو.. لكن البيانات ما تزال غير مكتملة
أكد وزير الزراعة الأسبق، الدكتور سعيد المصري، أن القطاع الزراعي الأردني سجّل نموًا ملحوظًا بنسبة 8.1% خلال الربع الأول من عام 2025، تزامنًا مع ارتفاع أسعار الخضار والفواكه بنسبة 4.6%، مدفوعًا بسلسلة من التحسينات المؤسسية واعتماد تقنيات التحول الرقمي في عمليات الإنتاج والتسويق الزراعي.
ورغم هذا التحسّن، أشار المصري في حديثه لـ”الأنباط” إلى أن هناك فجوات كبيرة في البيانات المتوفرة، تُعيق التقييم الدقيق لحجم الإنجاز الفعلي. وأوضح أن النقص في المعلومات المتعلقة بأسعار المنتجين، وكميات المياه المعالجة والمحلاة المستخدمة في الري، بالإضافة إلى حجم الإنتاج وأسعار بيع المحاصيل النباتية، يعقّد من القدرة على قياس الأثر الحقيقي لمشاريع التحول الرقمي في القطاع.
وبيّن أن غياب التقارير الموثقة والمحدثة بشأن أداء هذه المشاريع يطرح تساؤلات حول مدى استدامة هذا النمو، وما إذا كان ناتجًا عن تحسّن فعلي في الإنتاج، أم بسبب زيادة الإنفاق الرأسمالي الحكومي على مشاريع تجريبية قصيرة الأمد.
نمو يتجاوز التوقعات.. لكن التحدي في الاستدامة
وأشار المصري إلى أن النمو الزراعي المسجل تجاوز التوقعات في ظل تحديات متعددة، ما يعكس طاقات كامنة في القطاع يمكن استثمارها بشكل أوسع. لكنه شدد على أن هذا الزخم يحتاج إلى منظومة بيانات متكاملة وشفافة، تتيح للمؤسسات الرسمية والباحثين والمستثمرين تقييم الأداء بدقة، وتوجيه القرارات والسياسات على أساس واقعي.
وأكد أن استكمال قواعد البيانات الزراعية، وتوثيق نتائج التحول الرقمي والمكننة، يُعد شرطًا أساسيًا لتحويل النمو الحالي إلى مسار مستدام طويل الأمد.
نمو يتجاوز التوقعات ويعزز الثقة بالاقتصاد الوطني
بدوره، رأى الخبير الاقتصادي منير أبو ديه أن ارتفاع معدل النمو الاقتصادي في الأردن إلى 2.7% خلال الربع الأول من العام الحالي يُعدّ مؤشرًا إيجابيًا على دخول الاقتصاد الوطني مرحلة تعافٍ واضحة المعالم، رغم التحديات الجيوسياسية والاقتصادية المزمنة.
وبيّن أبو ديه أن نسبة النمو تجاوزت التوقعات التي كانت تدور حول 2.5%، معتبرًا ذلك نقطة تحول مهمة تعزز من ثقة المستثمرين والقطاع الخاص، في ظل دعم مجموعة من المؤشرات الاقتصادية المصاحبة، أبرزها: ارتفاع الصادرات بنسبة 10%، وبلوغ الاحتياطيات الأجنبية نحو 23 مليار دولار، إلى جانب زيادة الودائع في البنوك المحلية إلى 43 مليار دينار، وارتفاع الدخل السياحي بنسبة 15% خلال الربع الأول من عام 2025.
وأكد أبو ديه أن هذه المؤشرات تدعم استقرار الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل بقاء معدلات التضخم ضمن حدود 2%، معتبرًا أن استمرار الاقتصاد بتحقيق نمو إيجابي يعكس متانته في وجه الصراعات الإقليمية وحالة عدم اليقين، مشيرًا إلى ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي بنسبة 14% مقارنة بالعام الماضي.
تعافٍ تدريجي رغم تحديات قائمة
وأشار أبو ديه إلى أن الاقتصاد الأردني بدأ يخطو نحو مرحلة تعافٍ تدريجية، رغم استمرار التحديات الكبرى، وعلى رأسها ارتفاع أسعار الطاقة، والبطالة، والمديونية العامة، ونسب الفقر. إلا أنه أكد وجود عناصر إيجابية تعزز من مناعة الاقتصاد، وتمنحه مزيدًا من الاستقرار والثقة، خاصة في ظل ما يحظى به الأردن من أمن سياسي واستقرار في إقليم يعاني من اضطرابات متواصلة.
ولفت إلى أن هذه النسب الإيجابية قد تسهم في تحفيز الاستثمار وتعزيز المؤشرات الاقتصادية خلال الفترة المقبلة، في حال استمرت الجهود الحكومية بدعم القطاعات الحيوية.
رؤية التحديث الاقتصادي والطموحات المرحلية
ونوّه أبو ديه بدور سياسات "رؤية التحديث الاقتصادي” في تحفيز النمو، مشيرًا إلى أن الرؤية تستهدف تحقيق نمو بنسبة 3.5% خلال العام الجاري، وتوفير 100 ألف فرصة عمل، إلى جانب تدفقات استثمارية تقارب 3.5 مليار دينار. لكنه أشار إلى أن هذه الطموحات لم تأخذ في الحسبان الواقع الإقليمي المعقد الذي شهد خلال الأشهر الماضية موجات من الصراعات وعدم الاستقرار.
وفي ختام حديثه، دعا أبو ديه الحكومة إلى العمل بكامل طاقتها لإزالة المعيقات أمام النمو الاقتصادي، واتخاذ مزيد من الإجراءات والقرارات التي من شأنها دعم القطاعات الإنتاجية وتحفيز أدائها، متوقعًا أن يشهد الاقتصاد الأردني بنهاية العام مؤشرات أفضل وأرقامًا أكثر تفاؤلًا.