نبض البلد - البُعد الخامس في شخصية الأمير الحسين
د. عامر بني عامر
ثمّة ما هو أبعد من الدور الرسمي أو اللقب الدستوري في شخصية سمو ولي العهد، الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، يلوح بُعدٌ خامس، غير مرئي لكنه ملموس في حضوره، في خطابه، وفي تموضعه داخل مشهد سياسي واجتماعي معقد إقليميًا ومحليًا. بعدٌ يتجاوز الوظيفة، نحو الرمز الوطني الجامع .
في لحظة تتسارع بها الأحداث وتضعف الثقة، لا يمكن أن يُترك الفضاء العام مفتوحًا لسرديات متضاربة. وهنا، تبرز أهمية الشخصية التي تُجيد التعبير عن الدولة كفكرة، لا فقط كنظام، وتعيد ضبط العلاقة بين المواطن والدولة على أساس الحقوق والواجبات، لا الرهبة أو التبعية.
الأمير الحسين قدّم صورة متقدمة في كيفية تمثيل الدولة دون مبالغة، ودون تغوّل على الحياة العامة. ظهر حين دعت الحاجة، وغاب حين كانت الصدارة استعراضًا. وهذه القدرة على الحضور المنتقى لا تعكس فقط نضجًا سياسيًا، بل تؤشر على اتجاه جديد في مفهوم القيادة، يجعل من الاستماع أولوية، ومن الإنصاف سياسة.
الحديث عن "البُعد الخامس” لا يعني أنه فوق النقد أو أعلى من المؤسسات، بل إنه يعبر عن وعي استثنائي بالتوازن بين جذور الدولة وتطلعات المجتمع، بين احترام الإرث والانفتاح على المستقبل. وهو ما نحتاجه اليوم في مواجهة أحد أخطر تحديات اللحظة: رمادية النخب، وتناقض الخطابات، وتشظي الولاءات.
في مرحلة بناء الدولة الوطنية، لا يكفي رفع الشعار من فوق، بينما بعض المسؤولين يُغرقون الشارع بخطابات تفتقر إلى الانسجام مع المشروع الوطني. البُعد الخامس هنا هو الانحياز لهوية وطنية أردنية واضحة، عادلة، تعترف بالجميع دون تمييز أو تهميش، وتبني على الكفاءة والانتماء الحقيقي للدولة.
سمو الأمير كان قادرًا على تمثيل هذا الاتزان: لم ينجرف إلى الاستعراض، ولم يتوارَ خلف الرسميات، بل اختار الظهور حين كان للظهور ضرورة، واختار الحضور حين كان للحضور معنى، مستلهمًا في ذلك نهجًا رسخه جلالة الملك عبد الله الثاني في القيادة المتوازنة والاقتراب من الناس. وهو بذلك يشارك، بهدوء، في مسار إعادة الاعتبار لمفهوم الدولة كفضاء مشترك لكل أبنائها، على قاعدة العدالة والانتماء والحقوق المتساوية.
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الأسئلة حول معنى الدولة وموقع المواطن داخلها، يظهر الأمير الحسين في خطاباته وتحركاته كبوصلة ناعمة، تُشير – دون صخب – إلى أن هناك طريقًا ممكنًا نحو تعزيز العقد الاجتماعي الأردني، بوصفه الإطار الذي يضبط العلاقة بين الدولة ومواطنيها على أسس من الانتماء، والمساواة، وسيادة القانون، واحترام التنوع تحت مظلة وطنية أردنية. ليس بوصفه شعارًا مجردًا، بل كمنظومة قيم وسلوك وسياسات تتجسد في أداء الدولة ومؤسساتها.
هذا هو "البُعد الخامس” في شخصية الأمير الحسين: أن يظل قريبًا من الناس دون أن يغرق في التفاصيل، وأن يعبر عن الدولة لا بوصفها سلطة، بل بوصفها مشروعًا أخلاقيًا يستحق أن يُعاد بناؤه بثقة، وتُحتضن قيمه من جديد