نبض البلد - الأمة العربية: عوائـق الوحـدة
الدكتور نضـال راشد المساعيد
إن حالة الضعف والهوان التي تعيشها الأمة العربية في الوقت الراهن ليست وليدة اليوم، بل هي نتاج تراكمات سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية على مدى عقود. وبالرغم من ذلك، لا يمكن اعتبار هذا الواقع قدراً لا مفر منه، فالتاريخ علمنا أن الأمم تمر بمراحل ضعف وقوة. فبعد أن نهضت الأمة الإسلامية، وسارت شوطا طويلا وصلت حدودها من الصين إلى الأندلس، بدأت تخور قواها، ثم تضعف وتنهزم ثم تشظت إلى دويلات صغيرة، فأصبح حالها حال العجوز العاجزة عن رد الأذى عن نفسها، ولم يبق لها في هذه الحياة هدف سوى أن تنتظر مصيرها وهي تتغنى باسمها الجميل (عروبة).
وبالنظر أيضا إلى بعض الدروس بالتاريخ الإسلامي، فإننا سنجد العديد من الدروس التي تحدثنا عن زمن الفاتحين الذين خلدهم التاريخ، ولنا في ذلك قدوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الخلفاء الراشدين، وأيضا على سبيل المثال لا حصر أبوجعفر المنصور، خالد بن الوليد، طارق بن زياد، عبدالرحمن الداخل، ألب أرسلان السلجوقي، نورالدين زنكي، صلاح الدين الأيوبي، وغيرهم الكثيرين.
أما الواقع العربي الإسلامي الحالي وكما أسلفت المقسم إلى دول عربية تحت مسميات مختلفة، فإنه يقوم على قيادة تلك الدول ملوك أو أمراء ورؤساء جمهوريات، ففي الحالة الأولى أي الملكية، فهي نتاج لتاريخ عائلي قامت به عائلة معينة بإنشاء دولة نتيجة لتضحياتها، أو نتيجة وجود قبيلة معينة في منطقة جغرافية معينة، فقامت بإنشاء دولة على الأرض التي تعيش فيها، أما الجمهوريات فمن المفترض أن يقوم أعضاء الحزب بانتخاب رئيس للحزب، ثم يكون رئيسا للدولة من خلال الانتخابات.
وفي تلك الحالتين، ظهرت العديد من الآراء التي تدعم كل حالة من الحالات، وكنت قد قرأت مقالة لصديق من السعودية الدكتور طلق المسعودي بعنوان (الحكم الملكي وديموقراطية الشعوب المزعومة) والذي يرى فيه بأن الحكم الملكي يوفر الاستقرار اللازم للوحدة الوطنية المطلوبة في أي دولة يسود فيها ذلك النظام حيث إن وجود شخص حاكم مدى حياته؛ وبالتالي يأتي بعده شخص معروف سلفا وهو ابنه، فهذا يعزز الوحدة الوطنية، ويحد من تكون الأحزاب السياسية، ويوفر الرخاء الاقتصادي للمواطنين في تلك الدول.
من ناحية أخرى يرى الدكتور المسعودي بأن ما ينتج عن الأنظمة الجمهورية هو الانقسام والصراع داخل تلك الجمهوريات، والذي كان من أوائل الداعمين له جمال عبدالناصر، ويؤكد المسعودي على أن العلاقة بين الشعوب والحكومات الجمهورية علاقة مضطربة، إضافة إلى حالة الفقر والجوع والبطالة والانحدار الاجتماعي والاقتصادي، ناهيك عن أن معظم هذه الجمهوريات تحولت إلى نظام ملكياً من خلال محاولة توريث الأبناء للحكم كما كان الحال في سوريا، ومحاولات حسني مبارك بتوريث أبنائه للحكم، وما يحدث حاليا في السودان وبعض دول [المغرب العربي، وقد عزز المسعودي رأيه هذا بأدلة منطقية وواقعية. وباسترسال بسيط من وجهة نظري، فإن تلك الحالتان هما نتاج دعم غربي مقصود لتحقيق مصالح الغرب السياسية بأن تبق الأمة مقسمة وممزقة لتبقى ضعيفة يسهل السيطرة عليها، ولتحقيق مصالحهم الاقتصادية المتمثلة باستنزاف خيرات البلاد المختلفة ولتبقى الأمة مصدرا للاستهلاك وذلك من خلال سياسة فرق تسد.
وقد تلت هذه المرحلة الأطماع القومية لليهود والفرس والأتراك، محاولين السيطرة على المنطقة لتحقيق مصالح سياسية مختلفة.
إن الشعوب العربية تتعرض لأذى كبير، فحالة الهوان التي تعيشها الأمة العربية بسبب عدوين رئيسين، الأول يتمثل بالخطر اليهودي ممثلا باللوبي الصهيوني الذي زرعه الغرب في فلسطين وهو حاليا مدعوم من الأمريكان بسبب وجود نسبة كبيرة من اليهود يعيشون في أمريكا، وهم أداة ضاغطة على الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي بالوسائل كلها لتحصل على أصوات وأموال اليهود في أمريكا، وما يحدث حاليا في فلسطين عامة وغزة خاصة أكبر دليل على ذلك، إضافة إلى عقيدتهم وإيمانهم بدولتهم الممتدة من النيل إلى الفرات. أما العدو الثاني، فهو الخطر الفارسي الذي أصبح له امتداد في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
أما حالة الانقسام والتشرذم التي تعيشها الشعوب العربية، فسببها أن غالبية الحكام العرب يخشون التشدد الإسلامي والتنظيمات الإسلامية ذات الحضور الجماهيري بوصفها تشكل خطرا على وجودهم وكراسيهم ولكن عليهم النظر إلى التاريخ، فالكرسي لا يدوم، وكم من أمم هلكت ولم يبق منهم أحد، ويبقى التاريخ يسجل، والتاريخ له طريقتان بالتسجيل، إما أن يخلد من يستحق التخليد، وأما أن يضعك في الجانب المظلم منه.
وفيما يتعلق بغالبية الشعوب العربية من الناحية الدينية، فإنها تنبذ الطائفية والفرقة، فديننا الحنيف يستوعب كل الأطياف والديانات كلها، ويقف مسافة واحدة من الجميع، فلماذا لا ننبذ القومية الضيقة، ونتبع الطريق الديموقراطي، وتكون لدينا الغيرة من الدول المتقدمة كما هو الحال في أمريكا أو على أقل تقدير كما يحدث في أوروبا.
إن الشعوب العربية في العصر الحديث بحاجة إلى إيجاد حل مثالي يرقى بها لتأخذ مكانها بين الأمم، فلا خيار أمام تلك الشعوب إلا الاتحاد الكامل الشامل تحت مظلة دولة واحدة قوية، هذا الاتحاد يتطلب من بعض الحكام العرب التنازل عن عروشهم والتخلص من حالة الحفاظ على اسم القبيلة التي يسعى الحاكم أن تستمر بالسلطة، فعليهم تسجيل أسمائهم تحت مظلة زمن المتحدين.
في الختام، فإن ما عرضته من حل استراتيجي حقيقي يتطلب تحول عقائدي بطريقة التفكير عند أصحاب القرار العرب من خلال تبني نظام ديموقراطي حقيقي، فعلى الجميع أن يدرك بأن الخطر القادم لن يستثني أحدا، وأن الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل، سيكون لنتائجها تداعيات خطيرة بحال انتصار أي طرف على الآخر، وإن لم نتحد سنبقى عبيدا للإمبريالية الغربية أو الشرقية على حد سواء.