دول ستتأذى إذا دُمِّرَ مفاعل بوشهر الإيراني

نبض البلد -

 
خطر يقترب بصمت

مع تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران، وارتفاع احتمال حدوث مواجهة عسكرية غير تقليدية، يبرز خطر حقيقي ومرعب من خلف العناوين: احتمال تدمير منشأة بوشهر النووية. هذا السيناريو لم يعد مجرد فزاعة سياسية، بل تحوّل إلى أحد أكثر السيناريوهات تداولًا بين مراكز القرار العسكرية، خصوصًا مع تعقّد المشهد الإقليمي وازدياد العمليات الأمنية الإسرائيلية داخل إيران.

"بوشهر": قلب نووي على الشاطئ

مفاعل بوشهر ليس مجرّد منشأة علمية في عمق الأراضي الإيرانية، بل هو قلب نووي نشط يقع مباشرة على الساحل الجنوبي لإيران، مطلّ على الخليج العربي، وقريب بشكل خطير من حدود عدة دول عربية. هذه المنشأة، المصممة لإنتاج الطاقة، تخزن في قلبها وقودًا نوويًا ومخلفات مشعة، وتشكّل نقطة ضعف كارثية في حال تعرّضت لضربة عسكرية مباشرة. ليست محصّنة ضد غارات جوية دقيقة، وأي اختراق فيها قد يطلق سحابة إشعاعية لا يمكن وقفها.

رياح مسمومة فوق الخليج

أغلب أيام السنة، تدفع الرياح الإقليمية من شمال إيران نحو الجنوب الغربي، أي باتجاه مياه الخليج والدول الواقعة على ضفافه. أي تسرب إشعاعي من بوشهر سيتحول إلى سحابة ملوثة تنتقل خلال ساعات إلى البحرين وشرق السعودية، تليها قطر، الكويت، والإمارات. ومع استمرار تحرك الرياح، سيصل التلوث جنوب العراق، وربما أبعد من ذلك لاماكن ومدن ليست بعيدة بما يكفي لتفادي الغبار المشع إذا سلك طريقه نحو الغرب. نحن أمام خطر عابر للحدود، لا تعترف فيه الجغرافيا بالحواجز.

إيران تدفع الثمن أولًا… ثم الجميع

بوشهر نفسها، المدينة والساحل، ستتحول إلى منطقة غير قابلة للحياة. الإشعاع سيلوث كل شيء: الهواء، المياه، التربة، وحتى أجساد السكان. المستشفيات لن تقوى على الاستيعاب، والسلطات ستفقد السيطرة في الجنوب الإيراني. لكن الكارثة لن تبقى محصورة داخل إيران. جيرانها الأقرب سيدفعون الثمن في الأيام والأسابيع التالية. الدول العربية على الخليج ليست مستعدة لمواجهة تسرب إشعاعي بهذا الحجم، لا من حيث الجهوزية البيئية، ولا الطبية، ولا حتى الإعلامية.

الخليج مهدد بالعطش… والغرق في السمّ

التهديد الأكبر لا يقتصر على الهواء، بل يمتد إلى المياه. كل دول الخليج تقريبًا تعتمد على محطات تحلية مياه البحر. هذه المحطات ستسحب الإشعاع إلى أنظمتها ما إن يتلوث الساحل، فتتحول إلى أداة نشر للسم بدل أن تكون مصدرًا للحياة. البحرين، قطر، الكويت، شرق السعودية وحتى الإمارات، ستكون عاجزة عن تأمين مياه نظيفة لمواطنيها. ستواجه أزمة مياه وغذاء، قد تفوق حتى آثار الحرب نفسها. الأسماك ستختفي من الأسواق، الزراعة ستُصاب بالشلل، والحركة البحرية التجارية قد تتوقف جزئيًا أو كليًا.

العراق في مهبّ الخطر
العراق لن يكون خارج دائرة الخطر. الرياح لا تعرف الحدود، والغبار الإشعاعي قادر على عبور مئات الكيلومترات. جنوب ووسط العراق، خصوصًا البصرة وبغداد، سيتعرضان للتلوث بفعل قربهما الجغرافي. أما الأردن، فقد يجد نفسه بعد أيام أمام مستويات غير آمنة من الإشعاع المحمول جوًا. التجربة التاريخية مع تشرنوبل تؤكد: التلوث النووي لا يحتاج فيزا.

الضربة النووية "غير المعلنة”

ضرب مفاعل نووي عامل هو في جوهره استخدام غير مباشر لسلاح نووي. لا انفجار فوري يدمّر مدينة، بل تسرب صامت يقتل الناس ببطء، ويشوّه الحياة لعقود. من يستهدف مفاعلًا نوويًا، يتعمد إطلاق شرّ لا يمكن السيطرة عليه. تبعاته لا تنتهي مع نهاية الحرب، بل تبدأ منها. وستمتد الخسائر من الإنسان، إلى الطبيعة، إلى الاقتصاد، مرورًا بالثقة، بالأمن، وبفكرة الاستقرار أصلًا في الشرق الأوسط.

ما بعد بوشهر… لا عودة إلى الوراء

استهداف مفاعل بوشهر لن يكون عملية عسكرية محدودة. سيكون شرارة أولى لكارثة إقليمية، وربما عالمية، قد تغيّر وجه الخليج كله. السعودية، البحرين، قطر، الكويت، الإمارات، والعراق، ستكون في عين العاصفة، كل بدرجات متفاوتة، لكن لا أحد سينجو كليًا. بوشهر، إن اشتعلت، لن تحترق وحدها… بل ستنشر نارها في الهواء، وتمحو الخطوط الفاصلة بين الدول، لتذكّرنا أن بعض الحروب، لا رابح فيها.

اسعد نمور