تحدي إقتصادي جديد ... منظومة الطاقة مستقرة نسيبا والبدائل كلفتها عالية

نبض البلد -

أزمة الغاز الإسرائيلي ...

بلاسمة : الأزمة فرصة لـ تسريع إصلاحات قطاع الطاقة في التخزين وتحديث التعرفة

عايش : أثار الحرب ضمن "نطاق المخاطر المعتادة" والطاقة والسياحة أكثر القطاعات تضرراً

الأنباط – عمر الخطيب

مع اتساع رقعة التصعيد بين إيران وإسرائيل لم تعد تداعيات الحرب تقتصر على الجبهات العسكرية أو المجال السياسي، وإنما انسحبت بـ قوة على المنظومة الاقتصادية والطاقة في المنطقة، وخلخلت سلاسل الإمداد وأعادت ترتيب أولويات الدول خصوصا تلك المعتمدة على الغاز المستورد لـ توليد الكهرباء.

الأردن، الذي يعتمد جزئيا على واردات الغاز الإسرائيلي، وجد نفسه وسط معادلة ضاغطة بعد توقف الإمدادات ما دعاه إلى استبدالها بمصادر بديلة وبكلف إضافية وصلت إلى نحو 150 مليون دولار في فترة قصيرة، حيث تساؤلات تُطرح "على أي أساس تتحمل المملكة هذه الكلفة؟ وأين مسؤولية الطرف المسبب للأزمة؟ خصوصاً أن التوقف تم رغم وجود اتفاقية توريد سارية".

وفي الوقت الذي لجأت فيه مصر سريعاً إلى تفعيل نظام تقنين الكهرباء لـ مواجهة العجز، يُسجل للأردن حتى الآن استقرار نسبي في المنظومة الكهربائية، بـ فضل فائض إنتاجي نهاري من الطاقة المتجددة، لكن هذا الفائض يطرح سؤالا استراتيجيا هل آن أوان تسريع البنية التحتية لـ تخزين الطاقة واستخدامها وقت الذروة؟ وهل يشكّل هذا الظرف فرصة حقيقية لـ تفعيل مشاريع الهيدروجين الأخضر كأولوية وطنية في ظل التحولات الدولية الجارية؟

وسط هذه المعطيات، يبدو أن الأردن أمام اختبار مزدوج وهو الحفاظ على أمنه الطاقي من جهة، واستثمار لـ حظة الأزمة كـ فرصة لإعادة رسم خارطة الطاقة على أسس أكثر استدامة واستقلالا من جهة أخرى.

كهرباء الأردن تحت الضغط

وفي ما يتعلق بـ منظومة الكهرباء في الأردن في ظل توقف إمدادات الغاز من إسرائيل، بين خبير الطاقة فراس بلاسمة أن ذلك يشكل ضغطا مباشرا على محطات التوليد التي تعتمد بشكل كبير على هذا الوقود، خصوصا محطات الدورة المركبة، ويتم حاليا تعويض النقص من خلال استخدام الوقود الثقيل والديزل، وهو خيار غير مستدام بيئيا ولا اقتصاديا، رغم استمرار استقرار شبكة الكهرباء حتى الآن.

وأكد بلاسمة أن البنية التحتية متوسطة الجاهزية لـ اعتماد على مصادر بديلة في حال طال أمد الأزمة لكنها تنواجه تحديات وهي الخيارات البديلة المتاحة واستيراد الغاز من مصادر اخرى مثل ( LNG ) في العقبة لكنه خيار مكلف وبطيء نسبيا، بالإضافة الى استخدام الوقود السائل مثل (الديزل والوقود الثقيل) في مجطات التحويل، وهو متوفر لكنه مرتفع الكلفة وملوث، مضيفا أيضا أن الاستفادة من الربط الكهربائي الإقليمي (مع مصر والسعودية وفلسطين) لكنه محدود بالإمدادات المتاحة من تلك الدول ورفع الاعتماد على الطاقة المتجددة وزيادة المرونة التشغيلية لمحطات الطاقة.

وأكد بلاسمة أن البنية التحتية في الأردن متوسطة الجاهزية للاعتماد على مصادر بديلة في حال طال أمد الأزمة، لكنها تواجه تحديات أبرزها محدودية الخيارات البديلة مثل استيراد الغاز المسال (LNG) عبر العقبة، وهو خيار مكلف وبطيء نسبيا، واستخدام الوقود السائل في محطات التوليد وهو متوفر لكنه عالي الكلفة وملوث، مشيرا إلى أهمية الاستفادة من الربط الكهربائي الإقليمي مع مصر والسعودية وفلسطين رغم محدوديته، إلى جانب ضرورة رفع الاعتماد على الطاقة المتجددة وزيادة المرونة التشغيلية لـ محطات التوليد.

التوليد تحت اختبار الصيف

وبخصوص تأثير الكلفة على الكهرباء أو استقرار الشبكة في الأردن في حال استمرار الأزمة الإقليمية أوضح بلاسمة يوجد تأثير على الكلفة وأنها سترتفع كلف التوريد بسبب الاعتماد على الوقود البديل وأنه أغلى ثمنا وهذا قد يؤدي الى دعم حكومي مؤقت أو إعادة النظر في هيكل التعرفة للمستهلكين، مشيرا أن الشبكة حاليا مستقرة لكن اذا طال أمد الأزمة وزاداد الطلب (خاصة في الصيف) ستواجه تحديات في التوليد والاستجابة للطلب.

ويرى بلاسمة الى الحاجة إلى إجراءات ترشيد جزئية وموجهة، لكن دون اللجوء إلى تقنين إجباري كما فعلت مصر، إذ يمكن الاكتفاء بإجراءات طوعية مثل خفض الإنارة العامة، وتعزيز التوعية في المنازل والمصانع وتشجيع استهلاك الطاقة المتجددة ليلا وإدارة الأحمال الكبيرة، بالإضافة الى أن مرونة منظومة التوليد والربط الإقليمي تمنح الأردن مساحة أوسع للتحرك دون الحاجة لإجراءات صارمة.

الطاقة المتجددة بحاجة تخزين

ونوّه بلاسمة أن الأردن يمتلك فائضا كهربائيا من الطاقة المتجددة خلال ساعات النهار، ويمكن الاستفادة منه عبر تقنيات تخزين واعدة مثل أنظمة البطاريات(BESS) التي بدأت الحكومة بطرح عطاءات لـ تنفيذها، رغم كلفتها العالية التي تشهد انخفاضا عالميا، مشيرا إلى إمكانية الاعتماد على التخزين المائي بالضخ في حال توفرت مواقع مناسبة، والتخزين الحراري باستخدام الـmolten salt، إلى جانب خيار تحفيز القطاع الصناعي على استهلاك الطاقة نهارا بـ نقل الأحمال إلى فترات توفر الفائض.

وأضاف أن الطاقة المتجددة خصوصا من مصادر الشمس والرياح تلعب دورا محوريا في تعزيز أمن الطاقة في الأردن خاصة خلال الأزمات، إذ تعد ركيزة أساسية للتوليد المستدام، لكنها تحتاج إلى دعم من أنظمة التخزين الكهربائي ومرونة في الشبكة لـ ضمان الاستقرار وتلبية الطلب، مشيرا إلى إمكانية رفع حصتها في التوليد بـ شكل آمن إذا رافق ذلك تحديث للبنية التحتية وتوزيع ذكي للأحمال، كما أكد أن الهيدروجين الأخضر يمثل خيارا استراتيجيا طويل الأمد، إذ يمكن إنتاجه من فائض الكهرباء المتجددة وتخزينه لاستخدامه في التوليد أو النقل أو التصدير، مشيراً إلى أن الأردن بدأ فعليا بوضع استراتيجية في هذا المجال، ويُعد تسريع التشريعات والمشاريع التجريبية خطوة ضرورية لـ تحويله إلى عنصر فاعل في مزيج الطاقة الوطني.

وأشار بلاسمة إلى أن الأزمة تمثل فرصة لـ تسريع إصلاحات قطاع الطاقة، خاصة في تفعيل مشاريع التخزين وتحديث التعرفة، مع التأكيد على أهمية الترشيد الذكي وتسريع مشاريع الهيدروجين الأخضر والربط الإقليمي.

الاستقرار مهدد بالتصعيد

ومن جانبه، قال خبير الإقتصادي حسام عياش إن تأثير الحرب الإيرانية الإسرائيلية على الاقتصاد الأردني يبقى محدودا، مع بقاء وتيرة الأداء الاقتصادي مستقرة نسبيا وإن كانت حذرة، وأن هناك تحوط مرتفع من مختلف الأطراف داخل الأردن، وتتمثل الآثار الحالية بارتفاع أسعار النفط واضطراب جزئي في الطيران والسياحة، لكن ضمن ما يُعتبر "نطاق المخاطر المعتادة" ويُتوقع تصعيد في حال توسعت العمليات، خصوصا إذا شاركت الولايات المتحدة مما سيهدد الاستقرار التجاري والسياحي وأسعار الطاقة.

وأضاف عايش أن الطاقة والسياحة تعد أول وأكثر القطاعات تضررا نظرًا لـ كون الطاقة محورا في الصراع الإقليمي، ولأن السياحة حساسة لأي اضطراب، وان شركات الطيران تؤجل أو تلغي رحلاتها والمجموعات السياحية تُلغى أو تُؤجل، مبينا أنه يمتد التأثير إلى قطاعات مثل النقل والفنادق والمطاعم والملابس بالإضافة الى القطاع العقاري، بعضها يتأثر لأسباب مادية مباشرة وأخرى نفسيا نتيجة حالة عدم اليقين.

استقرار دون تقنين إجباري

وفيما يتعلق بـ كفاءة المنظومة الأردنية مقابل أزمة الطاقة في مصر، بين عايش أن يتميز الأردن بـ منظومة طاقة أكثر كفاءة واستقرارا، قدرته التوليدية تفوق الطلب ويمتلك احتياطيات غازية وميناء عائم يتيح له استيراد الغاز من مصادر متنوعة مثل قطر، ما يعزز قدرة الأردن على إدارة الأزمات بشكل أفضل، مشيرا الى أن مصر تتجه لتقنين الكهرباء بسبب توقف الغاز الاسرائيلي وهو ما يزيد من أزمتها القائمة أساسا،وأن الأردن يحتاط ولكنه لا ينعاني من نفس النقص ، ولديه سجل من إجراءات الطوارئ مثل تخفيف الغاز عن الصناعة أو تقييد حركة المركبات، ما يمنحه مرونة أكبر بالتعامل مع الأزمات.

سيناريو أسود وتحولات مطلوبة

وأما على صعيد السيناريو الأسوء، أشار عايش الى تعطل التجارة وإرتفاع اسعار النفط الى مستويات تفوق 150 دولارا ، ما قد يقضي على الموسم السياحي، بالإضافة الى انخفاض الاستهلاك وتأثير العقارات والسيارات وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين ما يزيد عجز الموازنة والمديونية، مع خطر ارتفاع إضافي في أسعار الفائدة واقتراب تداعيات الأزمة من أزمات عالمية كبرى ككورونا أو الأزمة المالية 2008.

ولفت الى أن الأزمات المتتالية تؤكد ضرورة التعجيل بالاستثمار في الطاقة المتجددة وتخزينها، لـ تقليل الاعتماد على الغاز والنفط، كما يجب تعزيز الأمن الغذائي خصوصاً في الحبوب والزراعة والسعي لأن يكون الأردن مُصدّرا في هذا المجال، وأن يمتلك الأردن ميزة في الطاقة النظيفة ويجب استغلالها كـ مصدر قوة اقتصادي وليس فقط كـ منجز تقني.