عقب توقف الغاز من "إسرائيل": الأردن يُفعّل خطط طوارئ
كيف سيواجه الاقتصاد الوطني التصعيد الإقليمي؟
عايش: الممرات المائية الحيوية مثل مضيق هرمز وباب المندب مهددة
عقل: أي ارتفاع في أسعار النفط سيُثقل كاهل الاقتصاد الأردني
عمر الريماوي
مع تصاعد المواجهة العسكرية بين الكيان الإسرائيلي وإيران، دخلت المنطقة مرحلة حرجة تنذر بتداعيات عميقة على أمن الطاقة، لا سيما في الدول المعتمدة على الاستيراد، وعلى رأسها الأردن.
فالحرب، التي باتت تحمل أبعادًا إقليمية، تهدد بإرباك سلاسل الإمداد وتعطيل ممرات حيوية لتجارة النفط، وعلى رأسها مضيق هرمز.
وكانت أسعار النفط أول من استجاب لهذا التصعيد؛ إذ ارتفعت بنسبة 5% يوم الخميس، ثم قفزت إلى 12% يوم الجمعة، نتيجة التحركات العسكرية والتحذيرات الأميركية وسحب الموظفين من بعض السفارات.
وهذه الزيادة الحادة تنذر بمزيد من الأعباء الاقتصادية على الأردن، الذي يعتمد بشكل شبه كامل على وارداته من الطاقة، لا سيما من العراق والسعودية.
ورغم امتلاك الأردن لمخزونات استراتيجية من النفط، فإنها توفر هامش حماية مؤقت لا يكفي لمواجهة أزمة ممتدة، مما يبرز الحاجة إلى تفعيل خطط طوارئ تشمل ترشيد الاستهلاك، وتنويع مصادر التوريد، وتعزيز الإنتاج المحلي من الغذاء والطاقة، إلى جانب التوسع في الاعتماد على المصادر المتجددة.
انقطاع الغاز الإسرائيلي
وتجاوبًا مع هذه الاضطرابات، فعّل الأردن خططًا بديلة لضمان استمرارية التيار الكهربائي، عقب توقف إمدادات الغاز الطبيعي القادمة من إسرائيل، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والحرب الجارية مع إيران.
وبدأ الأردن باستخدام وقود بديل يتضمن الوقود الثقيل والديزل، بهدف الحفاظ على استقرار النظام الكهربائي وعدم تأثره بانقطاع الغاز.
وجاء هذا الإجراء بعد إعلان "إسرائيل" إغلاق أكبر حقولها الغازية بسبب التطورات الأمنية، ما أدى إلى وقف تزويد كل من الأردن ومصر بالغاز، في وقت يعتمد فيه الأردن بشكل كبير على الغاز الإسرائيلي لتوليد النسبة الأكبر من احتياجاته من الكهرباء.
تصعيد يربك الإمدادات
الخبير الاقتصادي حسام عايش يرى أن أي تصعيد عسكري مباشر بين إسرائيل وإيران، أو تدخل أميركي واسع، ستكون له تداعيات خطيرة على المنطقة والعالم، خاصة في قطاع الطاقة.
وأشار عايش إلى أن أسعار النفط ارتفعت 5% يوم الخميس، ثم وصلت إلى 12% يوم الجمعة، نتيجة للتوترات المتصاعدة، لافتًا إلى أن النفط سيكون أول المتضررين، ما سيقود إلى ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا.
ممرات مائية تحت التهديد
وأوضح عايش أن الممرات المائية الحيوية، مثل مضيق هرمز وباب المندب، قد تتعرض لاضطرابات، مما ينعكس على حركة الشحن وقناة السويس والنقل الجوي والبري. كما أن أي استهداف لحقول الغاز أو منشآت نفطية في الخليج سيعمّق الأزمة ويزيد الأسعار.
وبيّن أن المخزونات الاستراتيجية في الأردن تشمل نفطًا يكفي من أسبوعين إلى شهر، وقمحًا يكفي لـ12 إلى 14 شهرًا، وشعيرًا لـ8 أشهر، وبعض السلع الغذائية الأساسية لـ3 إلى 4 أشهر. هذه الاحتياطيات قد تُسهم في تخفيف آثار تعطل سلاسل الإمداد، لكنها ليست كافية إذا طال أمد الأزمة.
ودعا عايش إلى خطة طوارئ وطنية تشمل ترشيد الاستهلاك، وتنويع مصادر التوريد، ودعم الزراعة والصناعات الغذائية المحلية، وتعزيز الطاقة المتجددة، مؤكدًا أهمية الاستفادة من دروس جائحة كورونا والحرب الأوكرانية لضمان أمن الطاقة والغذاء واستقرار الاقتصاد.
مخاوف على أمن الطاقة
من جهته، قال خبير الطاقة هاشم عقل إن التوترات العسكرية المتصاعدة تُثير مخاوف حقيقية بشأن استقرار إمدادات الطاقة في المنطقة، وخاصة للأردن، الذي لا يملك مصادر نفطية تجارية ويعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد من العراق والسعودية.
وأشار عقل إلى أن أي حرب على إيران قد تعطل إمدادات النفط، خصوصًا إذا تم إغلاق مضيق هرمز الذي تمر عبره نحو 20% من تجارة النفط العالمية، ما سيؤدي إلى قفزات حادة في الأسعار العالمية تنعكس فورًا على الأردن.
ضغوط اقتصادية متزايدة
أوضح عقل أن ارتفاع أسعار النفط سيضاعف فاتورة الاستيراد الأردنية، ويؤدي إلى زيادة أسعار المحروقات محليًا، ويرفع تكاليف النقل والكهرباء، مما يزيد الضغط على الموازنة العامة والدعم الحكومي المخصص لقطاع الطاقة. وأضاف أن هذه التداعيات قد تُضعف القدرة الشرائية للمواطنين وتربك خطط الحكومة الاقتصادية في وقت حساس.
تهديدات لطرق التوريد
ولفت عقل إلى أن التحديات لا تقتصر على الجانب المالي، بل تشمل أيضًا تهديدات أمنية للمسارات البرية التي تُنقل عبرها واردات النفط من العراق، مشيرًا إلى أن أي تصعيد قد يؤدي إلى توقف هذه الإمدادات، ما يضطر الأردن إلى اللجوء إلى مخزونه الاستراتيجي أو إبرام اتفاقيات طارئة مع دول الخليج.
ورغم أهمية هذه البدائل، شدد عقل على أنها لا تُعفي المملكة من تحمل الكلفة المرتفعة للنفط، لأن تأثير الأسعار العالمية سيكون حاضرًا بغض النظر عن مصدر الشراء.
حماية مؤقتة ومخاطر مستمرة
واختتم عقل بالقول إن الأردن لا يشارك في النزاعات بشكل مباشر، إلا أن موقعه الجغرافي واعتماده الكامل على واردات الطاقة يجعلان من أي تصعيد إقليمي تهديدًا مباشرًا له. ورغم توفر مخزون استراتيجي يمنح بعض الحماية المؤقتة، يبقى أمن الطاقة رهينًا بالتطورات الميدانية، وسط قلق شعبي متزايد من تأثير ذلك على الأسعار والتضخم.