نبض البلد - حكاية أمنية من جبال سوف الى قلعة الكرك
دروس الاغتيالات وتحذير من وحش الموساد الخفي
خليل النظامي
بـ الأمس وفي قلب طهران، تلك العاصمة التي تستفز الكوكب برمته، ارتجفت أركانها على وقع سلسلة من الاغتيالات التي استهدفت قيادات عسكرية وعلمية وسياسية من الصف الأول في الحرس الثوري وعلماء نوويين بارزين.
كانت هجمات دقيقة ومدروسة، نفذها جهاز الموساد الإسرائيلي، الذي لطالما برع في تحويل الحروب إلى لعبة ظلامية من الصمت والتخفي، فـ العملية لم تكن مجرد اغتيالات عابرة، بل كانت ضربات استراتيجية أظهرت قدرة غير مسبوقة على اختراق أعماق الخصوم، ونزع فتيل التهديدات التي تلوح في الأفق بشكل عصري وحديث.
الهجمة بـ أصلها لم تكن رصاصة ولا قنبلة، بل معلومات تم جمعها وتسريبها، وألغام إلكترونية ورقمية، صنعت مشهدا من الفوضى والهلع، وحولت الأمن الإيراني الذي يفاخر بنفسه الدنيا الى ساحة هشة لا تليق بعظمة دولة تحارب من أجل مشروعها الخاص.
أما هنا، حيث الأردن ،، وطني الحبيب،، وأرض البسطاء والأبطال، ينمو له في قلبي حب عميق كـ جبال عجلون الخضراء التي لا تنكسر، وسهول إربد الواسعة التي تفتح ذراعيها للسماء،، هو عشق الأرض التي تحتضننا وتجمعنا على بساطتها، وحب نبع لا يجف مهما قست الظروف وطالت لليالي الجفاف.
ولكن ؛ عشقي وحبي هذا كله، بات لا يخلو من القلق، ومن الخشية على وطني الذي يقف على مفترق طرق وربما لا يرى ما قد يختبئ خلف الظلال السوداء.
فـ وطني الذي حملت عبء السلام وسط عواصف الإقليم المشتعلة نارا لا تنطفىء، ليس بمنأى عن تهديدات العصر الجديد،،،
فـ الموساد هذا الوحش القذر الخفي، الذي لا يعرف فن الحرب والقتال بشرف ونزاهة، ولا يعرف حدودا زمانية ومكانية ورقمية في بحثه عن اختراق الممالك والأسرار، لا أعتقد أنه يغفل لحظة عن رصد أبسط تحركاتنا، وعن نسج شباكه في ظلام العالم الرقمي الدامس، نعم أحبتي،، هذا العالم الدامس الظلام حيث تختبئ العمليات القذرة، وتزرع الفتن والتفرقة والتشكيك.
نعم الموساد لا تستغربوا، هذا الوحش القذر الذي يحول الحروب إلى حكايات من التجسس والاختراق، ويسرق الأمن من خلال كلمات على شاشات التلفزة والاذاعات، ومنشورات على منصات التواصل الاجتماعي، ومن بين ضجيج الحياة اليومية التي نعتقد ان سلوكياتنا فيها بسيطة وعفوية.
وبكل صدق أقولها ؛ قلبي يئن خوفا على أولئك الرجال والنساء الذين يتحملون أثقال الوطن بـ صمت وسط أشعة شمس لا ترحم، وبين أناس قد لا نعرف من بينهم من يحمل الخيانة والغدر.
فـ كيف نحمِي هذا الأردن..؟ وكيف نرسم حدودا لا يستطيع الموساد عبورها...؟ وكيف نحيط رجالنا بحصون لا تخرق، كـ جبال عجلون التي تصد الريح بصدر صلاح الدين الفولاذي..؟
ولا أكتب هذه الكلمات لزرع الخوف فيكم، بل لـ تحذير الوعي والتذكير به، والتأكيد على أن قوة الأردن الحقيقية تكمن في يقظتنا، وفي وعي شعبه وحسن إدارة منظوماته الأمنية والاستخبارية، خاصة أننا نعيش في زمن أصبحت الحروب فيه تخاض في الظل بدون شرف، واصبح الأمن الرقمي يمثل الدرع الأساسي الذي يحمينا من الوحوش العفنة.
ولنكن صرحاء مع بعضنا البعض،،،
صدقوني، الأردن اليوم يحتاج إلى نهج جديد، إلى رجال ونساء على قدر من الكفاءة والتحدي الرقمي والاستخباري، مع التقدير لما ما يقوم به من يديرون المشهد باقتدار.. يفهمون كيف تصنع الصراعات في العوالم الافتراضية، وكيف تحمى الأرض بـ معلومات مضادة وردود فعل ذكية وسريعة.
ولا بد أن نعي جميعا، أن الأردن هو نحن، وأن وعي المواطن يجسد السد المنيع الذي لا يستطيع أحد أن يخترقه إلا بإرادته هو، وفي ظل كل هذا، يبقى الأردن صامدا، ورايته خفاقة فوق جباله وسهوله، شامخة كما كانت دوما، حتى وإن اشتدت رياح العواصف والزوابع وظلامية الحروب التي تخاض بدون شرف المقاتلين.