نبض البلد - بقلم: المهندس سعيد المصري
شهد الأردن منذ عام 2022 انطلاقة إصلاحية واسعة عبر إطلاق رؤيتين مركزيتين: رؤية التحديث الاقتصادي (2022–2033) وخطة تحديث القطاع العام (2022–2025)، وقد هدفت هاتان الرؤيتان إلى معالجة الاختلالات البنيوية في الأداء المؤسسي والإداري، خصوصًا في القطاع العام، وتحسين بيئة الأعمال. ومع ذلك، فإن المسافة بين ما تم تشريعه وما تم تنفيذه فعليًا على الأرض لا تزال كبيرة، وهو ما يتطلب قراءة واقعية متأنية.
أولاً: الإطار التشريعي والإصلاحي الذي أُطلق
أطلقت الحكومة الأردنية مجموعة من التشريعات والخطط التنفيذية التي استهدفت الإصلاح الإداري، أبرزها:
1. خطة تحديث القطاع العام (2022–2025)، والتي تضمنت خمسة محاور: الحوكمة، الخدمات الحكومية، الموارد البشرية، الهيكل المؤسسي، والتحول الرقمي.
2. نظام إدارة الأداء الفردي والمؤسسي في الخدمة المدنية.
3. مراجعة نظام الخدمة المدنية وتعليماته لتحديث معايير التعيين والترقية.
4. استراتيجيات رقمنة الخدمات الحكومية من خلال منصة "سند".
5. تعزيز دور مؤسسات الرقابة مثل ديوان المحاسبة وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد.
ثانيًا: ما تم تنفيذه فعليًا حتى منتصف 2025
رغم وضوح الرؤية الإصلاحية، فإن التنفيذ العملي بقي محدودًا ومتفاوتًا بين المؤسسات:
1. الهيكل المؤسسي: تم دمج أو إلغاء عدد محدود من الهيئات الحكومية، إلا أن معظم التوصيات المتعلقة بدمج المؤسسات ما زالت قيد الدراسة.
2. إدارة الأداء: بدأ تطبيق نظام تقييم الأداء في وزارات محددة فقط، ولم يُعمم بعد على الجهاز الحكومي.
3. التحول الرقمي: أُنجز تقدم ملموس في رقمنة الخدمات الحكومية، إلا أن عددًا كبيرًا من المعاملات لا تزال ورقية وغير مترابطة بين الوزارات.
4. الموارد البشرية: لم يُطبق مبدأ الكفاءة بشكل منهجي في التعيينات، ولا تزال التدخلات السياسية حاضرة.
5. الحوكمة والمساءلة: رغم تحديث مدونات السلوك، إلا أن ممارسات الشفافية والنشر العلني لتقارير الرقابة ما تزال محدودة.
ثالثًا: التحديات التي تعيق التطبيق الفعلي للإصلاحات
•
1. مقاومة التغيير من بعض مراكز القوى داخل المؤسسات العامة.
2. بطء الإجراءات البيروقراطية وضعف ثقافة العمل المؤسسي.
3. غياب نظام رقابة فعال يربط الأداء بالمساءلة.
4. نقص الكفاءات الإدارية القادرة على قيادة التحول.
5. ضعف المشاركة المجتمعية والرقابة المدنية على الأداء الحكومي.
رابعًا: التوصيات لمأسسة الإصلاح الإداري
• لقد شكّلت الأوراق النقاشية لجلالة الملك عبدالله الثاني مرجعًا فكريًا مهمًا لمسارات الإصلاح في الأردن، لا سيما في مجال الإدارة العامة والحوكمة. ففي الورقة النقاشية الثالثة، شدد جلالته على أهمية "ترسيخ نهج الحكومات الفاعلة"، ودعا إلى تطوير الإدارة العامة على أسس الأداء والكفاءة والمساءلة، كما أكد في الورقة النقاشية السادسة على "ضرورة بناء ثقافة المواطنة الفاعلة" وربط المسؤولية بالمحاسبة، مما يشكل أساسًا معرفيًا وتشريعيًا لتوجهات الإصلاح الإداري الحالية. وتُعد هذه الأوراق إطارًا نظريًا داعمًا لرؤية التحديث الاقتصادي وخطة تحديث القطاع العام.
1. تعزيز استقلالية القرار الإداري وتقليص التدخلات السياسية.
2. الإسراع في تعميم نظام الأداء المؤسسي وربطه بالتحفيز والمساءلة.
3. توسيع رقمنة الخدمات مع بناء منظومة تكامل إلكتروني بين الوزارات.
4. نشر تقارير دورية عن تنفيذ الإصلاحات ومؤشرات التقدم.
5. إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني في الرقابة وتقييم الأداء.
الإصلاح الإداري في الأردن ليس فكرة جديدة، لكن ما يميز المرحلة الحالية هو وجود رؤية واضحة وتشريعات داعمة. ومع ذلك، فإن فجوة التطبيق ما تزال قائمة. المطلوب اليوم هو الانتقال من مرحلة الإطلاق إلى مرحلة التمكين والتنفيذ، وهو ما يتطلب إرادة سياسية قوية، ومؤسسات قادرة، ومساءلة حقيقية تعيد الثقة بالدولة وتُحسّن مناخ الاستثمار.