غدًا يتجه ضيوف الرحمن إلى عرفات "قلوب تهتف بالتلبية وأرواح تلامس السماء”

نبض البلد -
مع شروق شمس يوم الأربعاء تبدأ قوافل الحجيج بالانطلاق إلى مشعر عرفات، الركن الأعظم في رحلة الحج، في مشهد يتجلى فيه الإيمان بأبهى صوره وتتوحد الأصوات بالتلبية، والقلوب بالدعاء والأجساد بالخشوع وكأنَّ البشرية بأسرها تقف على صعيدٍ واحد لا فرق فيه بين لون أو جنسية أو مكانة.

يوم عرفة ليس مجرد موعد ضمن مناسك الحج بل هو قلبها النابض وميدان اختبارٍ روحي يضع الحاج في مواجهة صافية مع ذاته وخالقه، في هذا اليوم العظيم، يغتسل الحاج من دنياه ويتخفف من أحماله ويتضرع إلى الله بكل ما حملته سنوات عمره من أمنيات وأوجاع في لحظة صفاء نادرة لا تُشبهها أي لحظة أخرى في حياة الإنسان.

في عرفات يرتدي الجميع الرداء ذاته ويقفون على الأرض ذاتها وتتوحد الدعوات في هذا اليوم الذي يُباهي الله فيه ملائكته بعباده الواقفين، هو يوم الرحمة والغفران والعودة إلى الذات، وهو المشهد الذي وصفه النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: "الحج عرفة”.

ولا تقتصر رمزية عرفات على الحجاج فقط، بل يعيش المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها هذا اليوم بروح خاشعة، صائمين مُتضرعين، سائلين الرحمة والمغفرة، كأنهم جزء من ذاك الجمع وإن اختلفت الأرض والحدود.

عرفة هو الموعد الذي ينتظره القلب قبل الجسد ويعيشه العقل قبل أن تطأه الأقدام، ففيه تتساوى الأرواح ويُمحى الماضي ويولد الإنسان من جديد على أبواب المغفرة والقبول ومن عرفات تبدأ الحكاية الأجمل: حكاية العودة لا من سفر بل من ذنوب ومن شتات الأيام ومن ثُقل الأيام.

غدًا، حين تبدأ الحافلات بالتحرك، وتُطلق التلبيات من كل زاوية لن يكون المشهد عبورًا عاديًا، بل إعلانًا إلهيًا بأن القلوب ما زالت تعرف الطريق.