قانون "GENIUS".. هيمنة رقمية للدولار ورافعة محتملة للدينار

نبض البلد -

بيايضة: الأردن مؤهل لإصدار عملة رقمية بشرط التركيز على الاستقرار المالي
عايش: قوة الدولار الرقمي تنعكس إيجابًا على الدينار

مي الكردي

في لحظة فارقة من التحولات المالية العالمية، تستعد الولايات المتحدة الأميركية لإعادة تثبيت هيمنة الدولار الأميركي في الفضاء الرقمي من خلال قانون تنظيمي شامل لسوق العملات المستقرة، يُعرف باسم قانون "GENIUS”، والذي يشكّل نقلة نوعية في تنظيم اقتصاد العملات الرقمية.
ويأتي هذا القانون عقب مصادقة مجلس الشيوخ الأميركي عليه بأغلبية 66 صوتًا مقابل 32، في إشارة إلى دعم واسع من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لتنظيم سوق الكريبتو، عبر فرض قواعد صارمة على مُصدري العملات المستقرة، وهي العملات الرقمية التي تهدف إلى تقليص تقلبات الأسعار من خلال ربطها بعملات ورقية مثل الدولار.

العملات المستقرة مقابل العملات المشفرة
خلافًا للعملات المشفرة التي تعتمد في قيمتها على ثقة المستثمرين وتتسم بتقلبات عالية، تتمتع العملات المستقرة بدعم فعلي من أصول مالية مثل الدولار الأميركي أو سندات الخزينة، ما يجعلها خيارًا أكثر استقرارًا في المعاملات الرقمية. كما أن ارتفاع العوائد على السندات الأميركية يجعل الدولار الخيار المفضل لتقويم العملات المستقرة عالميًا، مقارنة باليورو أو الجنيه الإسترليني أو اليوان الصيني.
وفي هذا السياق، صرح وزير الخزانة الأميركي "سكوت بيسنت” بأن الأصول الرقمية قد ترفع الطلب على الأوراق المالية الحكومية الأميركية إلى تريليوني دولار في السنوات المقبلة، ما يعزز من هيمنة الدولار عالميًا.

الأردن والدينار الرقمي: فرصة استراتيجية
ويرى خبراء أن ارتباط الدينار الأردني بسعر صرف ثابت أمام الدولار الأميركي يضع الأردن على تقاطع استراتيجي مع النظام المالي الرقمي الناشئ، ويهيئه لإصدار دينار رقمي يُعزز الاستقرار النقدي ويمنحه مكانة ضمن الاقتصاد العالمي الجديد.
وقال أستاذ علم الحاسوب في جامعة أوكسفورد، وائل بيايضة، إن قانون "GENIUS” سيفرض على مُصدري العملات المستقرة الاحتفاظ باحتياطيات نقدية بنسبة 1:1 أو ما يعادلها من سندات خزينة قصيرة الأجل، ما يعزز الطلب على السندات الأميركية ويقوي الدولار في الأسواق العالمية.
وبيّن أن العملات المستقرة غير الممتثلة لهذا القانون، مثل عملة USDT التابعة لـ”Tether” ومقرها السلفادور، قد تُقصى من السوق الأميركية، بينما تتعزز مكانة عملات مثل USDC المدعومة من مؤسسات أميركية. وأضاف أن عدم امتثال Tether لقوانين مثل MICA الأوروبية يشير إلى تحديات ستواجه انتشار الدولار في أسواق خارجية.

أفريقيا وأميركا اللاتينية: صعود العملات المستقرة
وأشار بيايضة إلى أن أفريقيا وأميركا اللاتينية تشهدان نموًا سريعًا في استخدام العملات المستقرة المسعرة بالدولار، حيث سجلت أفريقيا نموًا بنسبة 400% وأميركا اللاتينية 300% في عام 2024، مؤكدًا أن التحديات التنظيمية قد تُقصي الشركات الصغيرة من السوق لصالح كبار اللاعبين.

ردود فعل اقتصادات كبرى
على الصعيد العالمي، قد يدفع القانون الأوروبي (MICA) نحو تسريع تطوير عملة يورو مستقرة، بينما قد توسّع الصين استخدام اليوان الرقمي في التجارة الدولية للحد من الاعتماد على النظام المالي الأميركي. أما دول مثل السلفادور، فقد تتجه نحو تبني العملات المشفرة غير المرتبطة بالدولار كوسيلة تحرّر من الهيمنة الأميركية.

تداعيات القانون على الأردن
على الصعيد المحلي، توقع بيايضة أن يفتح القانون آفاقًا جديدة لتحسين كفاءة التحويلات والاستثمارات في الأردن، لكنه شدد على ضرورة تبني استراتيجية رقمية متوازنة تركز على الاستقرار المالي، مقترحًا نموذجًا هجينًا: مركزي في الإصدار، ولا مركزي في التوزيع.
وأشار إلى أهمية التعلم من تجارب فاشلة كـ”e-Naira” النيجيرية التي عانت من ضعف الإقبال، مؤكدًا أن إصدار الدينار الرقمي يجب أن يكون خطوة مدروسة بعيدًا عن التسرع.

قوة الدولار الرقمي تُعزز الدينار
من جهته، أشار الخبير الاقتصادي حسام عايش إلى أن قوة الدولار الرقمي تنعكس إيجابيًا على الدينار الأردني نظرًا لارتباطه بسعر صرف ثابت بالدولار، موضحًا أن ارتفاع الدولار مقابل عملات أخرى مثل الين أو اليورو يقوّي الدينار الأردني أمام هذه العملات.
وأكد عايش أن هذا الارتباط يمنح السياسة النقدية الأردنية مرونة أكبر، ويسهم في تعزيز الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي، مما يقلص كلفة الاستيراد والعجز التجاري.

نحو دينار رقمي أردني
ودعا عايش إلى ضرورة التفكير الجاد في إصدار دينار رقمي، معتبرًا أن قانون الأصول الافتراضية يمثل خطوة تمهيدية في هذا الاتجاه. وقال إن العملة الرقمية المحلية ستمكّن من تسويات مالية أسرع، وتقلل من كلفة الحوالات والتحويلات، وتحد من الاعتماد على العملات المستقرة الأجنبية.
وأضاف أن الدينار الرقمي يمنح البنك المركزي القدرة على تتبع حركة الأموال بدقة، ويخفض من كلفة طباعة النقد ونقله وتأمينه، ويقلل من التهرب الضريبي.

التحذيرات من العملات المستقرة
ورغم الإيجابيات، حذر عايش من المخاطر المرتبطة بالعملات المستقرة، خاصة تلك التي لا تفصح عن حجم احتياطاتها أو تغطيتها الفعلية، ما يهدد بانهيارها المفاجئ. كما أشار إلى تحذيرات البنوك المركزية العالمية، بما فيها الفيدرالي الأميركي، من احتمالات استخدامها في غسل الأموال وتمويل الإرهاب.