نبض البلد -
محمد نمر العوايشة
منذ اللحظة التي نُقل فيها عبد المطلب بن هاشم إلى قصر الملك سيف بن ذي يزن، حمل التاريخ بين سطوره بشارة عظيمة، لم تكن مجرد نبوءة عابرة، بل شهادة ملكية من رجلٍ أدرك في كتب الأوائل وأسرار الملوك ما لم يدركه غيره. في مشهد مشبعٍ بالهيبة والمهابة، وقف سيف بن ذي يزن، ملك اليمن المنتصر على الأحباش، مستقبلًا وفود العرب، ليخصّ عبد المطلب بكشفٍ رباني عن مولودٍ تهامي، سيكون له من الأمر شأن، اسمه محمد، ويُبعث جهارًا ليطهر الأرض من رجس الشرك، ويقيم العدل، ويُبطل المنكر، وينير دروب البشرية.
لم تكن تلك البشارة سوى أول لبنةٍ في صرحٍ هاشمي نبوي، امتد أثره من غار حراء إلى ساحات الكفاح، ومن المدينة المنورة إلى ممالك العدل والمروءة، ومن بطحاء مكة إلى جبال الشام، يحمل في كل زمان قيم الرسالة، وثبات المبدأ، ونبل الغاية. لقد صدق سيف بن ذي يزن، حين قال لعبد المطلب: "إنه لك، غير ذي كذب”، فكان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، هو خاتم الأنبياء والمرسلين، ومن نسله الشريف وُلدت أعمدة المجد: الفرسان، والقادة، والسادة، والملوك.
إن من يقرأ بشارة سيف بن ذي يزن لا يمكنه إلا أن يربطها بحلقة ذهبية متصلة من الرجال الهاشميين الذين حملوا لواء النبوة في السياسة والقيادة. لم يكن الهاشميون يوماً طلاب سلطةٍ أو ساعين إلى ملكٍ دنيوي، بل كانوا دومًا حراسًا على المبادئ، نُصرةً للحق، وانحيازًا للإنسان، وعدلاً في الحكم، ورحمة في القوة، وفروسية في الكلمة والسيف معًا.
كيف يشكك أحدٌ في نسبٍ أقر به الملوك قبل العلماء؟ كيف يطعن في هاشمية القيادة من يحمل بين جنبيه عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحمل بين راحتيه رسالة محمدية في خدمة الأمة، لم تفتر يومًا، ولم تتأخر ساعةً عن أداء الواجب.
لقد توارث بنو هاشم ذلك المجد جيلاً بعد جيل، من الحسين السبط، شهيد كربلاء، إلى عبدالله بن الحسين، شريف مكة، إلى ملوك الأردن الذين أعادوا للهاشمية الحديثة رونقها: من المؤسس عبد الله الأول، الذي ارتقى شهيداً على أعتاب المسجد الأقصى، إلى طلال بن عبدالله، رجل الدستور والعدالة، إلى الحسين بن طلال، باني الأردن الحديث، ثم إلى جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، قائدٌ حمل الرسالة بحكمة وفروسية، وتصدّر المحافل بشجاعة، فلم يُهادن في حق، ولم يساوم في قضية، بل جعل من القدس أمانةً لا تُنسى، ومن فلسطين شرفاً لا يُساوَم عليه.
ومعه يسير ولي عهده، سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، شابٌ هاشميٌ في ريعان العطاء، يحمل من نور النبي بصيرةً، ومن سيرة أجداده عزيمةً، ومن إرث الهاشميين حضورًا عربيًا ودوليًا يعيد للأردن دوره ومكانته بين الأمم.
فحاشى وكلا أن تكون سلالة رسول الله إلا سلالة عز ومروءة، رجالها منابر للحق، وسيوفهم لا تُشهر إلا في وجه الظلم، لم يتاجروا بالدين، ولم يخونوا العهد، ولم يبدلوا تبديلاً، بل ظلوا على عهد عبد المطلب، وجدهم محمد عليه الصلاة والسلام، الذين قال عنهم سيف بن ذي يزن: "إنكم أهل الليل والنهار، ولكم الكرامة ما أقمتم، والحباء إذا ظعنتم”.
لقد شهد التاريخ أن الملوك حين يكرمون وفدًا، يكرمونه بمال ومتاع، لكن سيف بن ذي يزن أكرم عبد المطلب بالبشارة، بالوعد، بالكشف الرباني. واليوم، يستمر الوعد، ويُحفظ الذكر، وتبقى رسالة بني هاشم رايةً بيضاء، فوق هامات الأمم، لا تُدنسها أكاذيب المرجفين، ولا تُعكرها أباطيل الحاسدين.
إن من يشكك في الهاشميين، إنما يشكك في من اختارهم الله لحمل الرسالة، ويغفل عن سيرةٍ كُتبت بمداد الشرف، وسُطّرت في الصحف والقلوب، وشهد لها الخصوم قبل الأصدقاء. وإن الله لا يرضى لعباده إلا أن يُنصفوا، ويعرفوا للناس أقدارهم، وما أكرم الله أحدًا كما أكرم آل بيت نبيه، وما حفظ نسلًا كما حفظ نسل محمد، وما أدام ملكًا كما دام ملك بني هاشم، كرامةً لجدهم، ورحمةً لأمته.
وها نحن اليوم، في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، وولي عهده الأمين، نشهد استمرار الرسالة، من خطابٍ في الأمم المتحدة ينطق بالحق، إلى مبادراتٍ إنسانية تطال الشرق والغرب، إلى مواقف تاريخية ثابتة لا تهتز رغم الرياح. إنها الهاشمية كما كانت في قصر غمدان، لا تركن للمال، بل ترنو إلى الشرف الذي "يبقى لي ولعقبي ذكره وفخره” كما قال عبد المطلب.
فلتحفظ يا الله بني هاشم، ولتحفظ ملكهم الذي هو من نور نبيك، ولتدِم عليهم نعمة القيادة التي تنير للأمة طريقها، وتصدح باسم الحق في زمن الصمت.