نبض البلد -
الدكتور محمود المساد
العدالة الاجتماعية منظومة من القِيَم الفضلى تسعى المجتمعات الديمقراطية إلى تحقيقها ؛ إذ أنها تمثل أساس بناء مجتمعات مُستقِرّة ومزدهرة، وتعكس التزام هذه الدُّوَل بضمان حقوق مواطنيها، وتوفير فرص متكافئة للجميع.
وتهدف العدالة الاجتماعية إلى " تحقيق المساواة والإنصاف في المجتمع؛ من خلال التوزيع العادل للحقوق، والفرص، والموارد بين أفراده جميعهم، وهي تتجاوز مُجرَّد المفهوم النظري لتشمل مجموعة من الممارسات والسياسات الهادفة إلى إزالة الحواجز التي تُعيق المشاركة الكاملة لبعض الفئات في الحياة الاجتماعية".
وعندما نتأمل تشخيص واقعنا نرى بوضوح كم نحن نبتعد عن جوهر مضامين هذا المفهوم، فعلى سبيل المثال:نجد أن مؤسسة التعليم تؤمن بالواحدية" أي الكل المختلف واحد"، وتنكر على أفراد المجتمع حقهم على امتداد الجغرافيا الأردنية في التنوع والإختلاف،الذي يعكس بالضرورة تنوعه الاجتماعي والبيئي والثقافي ،إضافة إلى اختلاف أفراده في القدرات، والذكاءات،وسرعة التعلم، والسرعة في الإجابات…وغير ذلك .
فقد نجد الأردنيين يتعلمون على منهاج واحدا وكتباً مدرسية واحدة، ويبدأ دوامهم المدرسي وينتهي في وقت واحد، ويتم تدريسهم والتعامل معهم بأساليب وأنماط واحدة، ويختبرون على أسئلة واحدة،في وقت واحد ومعايير إجابات واحدة.على الرغم من اختلافات الطلبة في القدرات، والسرعة بالتعلم، والوقت الذي يحتاجه كل منهم للإجابات.وفي هذه الحالة يصبح مفهوم "العدالة الاجتماعية منقوص وباهت ولا معنى له.
كما يمس التعليم بمناهجه وكتبه ومعلميه القيم المطلوبة من المجتمع مساَ خفيفا غير مؤثر بسلوكهم الحياتي، والأسباب كثيرة ومتعددة المصادر، وليس آخرها أن تعليم القيم يتم بقراءة المعلومات عنها، وحفظها، والاختبار بها،في حين المطلوب تشربها، وتبنيها ،وتوظيفها في المواقف الدراسية والحياتية حيث يلزم،وذلك من خلال محاكاة نماذجها من المعلمين والآباء وغيرهم، وتقمص هذه القدوات كشخصيات مؤثرة تتصرف عمليا في التفاعل الحياتي كما تتطلبها هذه القيم.
وتخضع جميع الأقاليم والمحافظات والألوية الأردنية لتشريعات واحدة،وإدارة مركزية واحدة، مع التفضيل لمدينة المركز في معظم المشاريع التنموية،وحصر حق القيادة الإدارية في الداخل والخارج إلى فئة واحدة،لتخلق طبقة حاكمة واحدة،تحافظ عليها من خلال اللجوء إلى التدوير والعطايا والامتيازات والتكريم والأوسمة،وغض البصر عن التجاوزات على القانون، والقفز عن المساءلة، مع ترك بقية الطبقات تصارع ظروف الحياة المرة القاسية. فضلاً عن المحاباة لها، وتهميش وإقصاء غيرها.
إن التمسك بمفهوم المساواة،وهجر مفهوم العدالة وتكافؤ الفرص، تحت سيل من الذرائع، أبسطها؛ لم ننتبه،وضعف الموارد، والإخلاص للوطن، أمر في غاية الاحباط. والمثال الذي يحضرني بحجة المساواة عندما نقوم على وضع عدد من الحيوانات والطيور على نفس الخط، من بينها الفيل والقرد والنسر والسلحفاة، ونطلب منهم جميعا التسابق عند سماع الصافرة، لتسلق شجرة عالية، خلال خمس دقائق ،يفوز بعدها الأول بجائزة ذهبية.
وفي الحراك الاجتماعي السياسي،تصدت بعض الأحزاب لهذا المفهوم" العدالة الاجتماعية "بالتبني له،والنضال من أجل تحقيقه، في إطار حق الشعب المتنوع بدولة ديمقراطية عادلة،بغض النظر عن تباين أفراده الديني،والعرقي،والثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي. مع التركيز على نيل كل فرد في هذا المجتمع حقه الكامل؛ بتعليم جيد،وفرص متكافئة، على أسس معيارية تستند للكفاءة وفعّالية الأداء، والوفاء والإخلاص للوطن،ومستوى الإنجاز. شاهرة عيوب الواقع المرير القائم على الشللية وحجم الثروة و قوة السند الداخلي والخارجي.لكن هل يثمر هذا الحراك؟ وهل يجد من طبقة الحكم آذان صاغية، وعقول منفتحة؟… الله أعلم!!
وأخيراً يستحق الأردن والأردنيون الأفضل