نبض البلد - منصور البواريد
في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتداخل فيه التحولات والمتغيرات، يصبح إدراك إيقاع المستقبل ليس مجرد خيار بل ضرورة ملحة. فالوعي بما يحمله الغد من تحديات وفرص، وبالدور الذي يجب أن نلعبه كأفراد وجماعات، هو ما يمنحنا القدرة على تحويل الأفكار إلى واقع، والآمال إلى خطوات فعلية على الأرض.
منتدى "تواصل 2025" كان محطة مهمة في هذا المسار، حيث التقى الفكر بالشباب والطموح بالحكمة، ليشكلوا معًا نبضًا جديدًا على إيقاع المستقبل.
نختتم اليوم فعاليات منتدى "تواصل 2025" ونحن نحمل بين أيدينا طاقة جديدة، ووعيًا أعمق، وثقةً أكبر بأنَّ المستقبل يصنعه من يُدرك التحولات ولا يكتفي برصدها. ففي هذا الفضاء الذي جمع أصحاب الرؤى والمبادرات والخبرات، جاءت كلمة سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، لتشكل محورًا حيًّا للفكرة الأردنية المتجددة، فكرة الوطن الذي لا يشيخ، بل ينهض بثقة على أكتاف شبابه، ويعيد تعريف موقعه في عالم يعاد تشكيله كل صباح.
كلمة سموه لم تكن خطابًا احتفاليًّا عابرا، بل كانت بمثابة خارطة طريق أخلاقية وتقنية للمستقبل؛ دعا فيها إلى التسلح بالمهارات الأكثر طلبًا في عالم سريع، لا ينتظر من لا يتقن أدواته. التفكير التحليلي، وحل المشكلات، والابتكار، والقدرة على التكيف؛ كلها ليست ترفا معرفيا بل شروطا للبقاء والاستمرار، ومواكبة التطور التكنولوجي، خاصة في الذكاء الاصطناعي، لم تُطرح بوصفها خيارا، بل كأولوية وجودية لشباب هذا الوطن، الذين وصفهم سموه بأنهم القلب النابض والفرصة الأعظم.
ولأنَّ سمو ولي العهد لا يتحدث من برج عال، بل من قلب الحدث، جاءت دعوته لإحداث تغيير جذري في منهجية العمل، والتعامل مع التحديث الإداري والاقتصادي والسياسي بوصفه ضرورة وطنية لا مجرد توصيات نظرية، ولقد أشار بوضوح إلى أنَّ ثقة الأردنيين بأنفسهم، وبقدرتهم على الإنجاز، يجب أن تكون مقرونة بجدية في التنفيذ، ومهنية في المتابعة، وأمانة في التغيير.
لم تكن إشاراته لتخصصات سوق العمل العصرية، ونقده للأفكار التقليدية حول بعض المهن، سوى محاولة ناضجة لإعادة هندسة العلاقة بين التعليم والاقتصاد، وبين الطموح الفردي والمصلحة الوطنية. وفي هذا السياق، فإنَّ تشكيل "المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل" تحت متابعته المباشرة، يؤكد أننا لا ننتظر التكنولوجيا كي تصل إلينا، بل نذهب إليها وننخرط في صناعتها، بوعي سيادي واستراتيجية مدروسة.
تمنيت لو كنت من الحاضرين، أنا ومجموعة من الشباب الطموحين الذين لا ينتمون إلى أي مؤسسة أو مبادرة وطنية، لكنهم يحملون في قلوبهم إيمانًا عميقًا بهذا الوطن، وشغفًا صادقًا بالمشاركة في رسم ملامح مستقبله. غيابنا الجسدي عن المنتدى لم يمنعنا من التفاعل الروحي والفكري مع ما طُرح، فقد تابعنا، وتأملنا، وشعرنا أنَّ هناك متَّسعًا لنا في هذا الحلم الجماعي، وإن لم نكن بعد جزءًا رسميًّا منه. فلعل النسخ القادمة من "تواصل" تمنح فرصة أوسع لكل من يحمل فكرة، لا بطاقة انتساب، ولكل من يرغب أن يكون فاعلًا، لا فقط ممثلًا؛ لأنَّ المستقبل، كما أكد سمو ولي العهد، ليسَ حكرًا على أحد، بل مشروعٌ وطنيٌّ يتسع للجميع.
وفي ضوء كل ما طُرح، يبقى السؤال مفتوحًا، كيف نضمن أن لا تبقى مثل هذه المنتديات حدثًا نخبويًّا يتكرر، بل فرصة سنوية لإعادة تعريف من نحن وماذا نريد؟ وهل نمتلك الشجاعة المؤسسية لإعادة التفكير في آليات إشراك الشباب، بعيدًا عن الانتماءات والتنميط؟ التكنولوجيا تتقدم بسرعة لا تُبقي مجالًا للانتظار، فهل نحن مستعدون فعلًا لزمن لا يصبر على التردد؟ أسئلة كهذه لا تتطلب إجابات سريعة، بل تتطلب إرادة للمساءلة، وجرأة للتغيير، وإيمانًا بأنَّ مستقبلنا ليس ما يُمنح لنا، بل ما ننهض لصنعه بأيدينا.
وإن لم نكن من بين الحضور في قاعات المنتدى، إلا أنَّ أثر "تواصل 2025" بلغنا كما يبلغ الضوء من بعيد، حاملًا معه ما يكفي من الإلهام ليدفعنا إلى التفكير والعمل والحلم. نُحيي كل من ساهم في إنجاح هذا الحدث، وندعو إلى أن تتسع الدوائر في الأعوام المقبلة لتشمل المزيد من الشباب الطموحين الذين لم يُمنحوا بعد فرصتهم الكاملة، لكنهم مستعدون ليكونوا جزءًا حيًّا من الحوارات الجادة وصناعة التغيير، فالمستقبل ليس فكرة مؤجلة، بل مشروع يبدأ الآن حين نؤمن أنه لنا جميعًا.