من داخل القبة: لماذا تفشل الأحزاب في تحويل التمثيل النيابي إلى سلطة رقابية وتشريعية مؤثرة؟

نبض البلد -
التمثيل الحزبي في البرلمان ،، أرقام مرتفعة وأداء منخفض
الأنباط – خليل النظامي
بـ الرغم من أن الأرقام وحدها لا تصنع برلمانا قويا، إلا أن تحليلها في سياق الممارسة السياسية يمكن أن يكشف الكثير من الحقائق الغائبة عن الكيرين، وهذا بالضبط ما تنطق به بيانات الدورة العادية الأولى لمجلس النواب الحالي، والتي تظهر حراكا رقميا لافتا بعض الشيء، إلاّ انه يكشف عن هشاشة في الفاعلية الرقابية والتشريعية، وعلى الرغم من الطبيعة المختلفة لهذا المجلس مقارنة بسابقيه، خاصة أنه يضم لأول مرة عددا كبيرا من النواب الحزبيين، وتكتلا إسلاميا يعكس حضور جماعة الإخوان المسلمين من خلال حزب جبهة العمل الإسلامي وحلفائه، وهو ما توقعنا أن يحدث فرقا في ديناميات الأداء النيابي تحت قبة السلطة التشريعية.
وفي التقاصيل تشير الإحصاءات التي نشرت عبر صحيفة الأنباط اليومية وفقا لـ مصادر نيابية أن النواب قدموا خلال الدورة (865) سؤالا نيابيا، أُجيب عن (647) منها، بينما بقي (211) سؤالا بلا إجابة، وسحب (7) أسئلة من قبل النواب أنفسهم.
هذا الكم العددي في صورته الأولية يعبر ظاهريا عن استخدام نشط لأداة الرقابة الأساسية لـ المجلس، لكنه يخفي في جوهره خللا في استجابة حكومة الدكتور جعفر حسان، فضلا عن خلل في منهجية المتابعة النيابية، علاوة على أن تترك أكثر من 200 سؤال دون رد رغم انتهاء الدورة، فهذا لا يدل فقط على تقصير حكومي، بل يشير الى ضعف في الممارسة البرلمانية، وقلة خبرة سياسية في تحويل الأسئلة الى أدوات ضغط نيابية، كما يفترض أن يكون في أي نظام ديمقراطي فعال.
الى ذلك، لا يجب أن ننكر أنه من المفروض أن يكون المجلس الحالي أكثر تنظيما حزبيا من المجالس السابقة، فـ وجود نواب أحزاب خاصة كتل إسلامية والمعروف عنها أنها ذات خبرة تنظيمية وسياسية، يفترض أن يعزز العمل الرقابي الجماعي، وأن يدفع باتجاه مساءلة الحكومة بصورة أشد، إلاّ ان المشهد لم يعكس هذا التحول وفقا لـ الأرقام المعلنة، وحتى داخل الكتل النيابية التي تضم حزبيين، بقي الأداء النيابي محصورا في الحدود التقليدية المتمثلة بـ "أسئلة مكتوبة، ومذكرات عامة، واقتراحات بقوانين لا تجد طريقها إلى التشريع الفعلي".
أيضا وفقا لـ المعلومات الرقمية، فقد تقدم النواب بـ (26) اقتراحا بقانون وهذا يعتبر رقم معتدل، لكن دون أثر تشريعي حقيقي يذكر، وهذا يعيدنا إلى بنية النظام التشريعي الذي يفضل دائما مشاريع القوانين المقدمة من الحكومة، ويهمش إلى حد لا بأس به الاقتراحات المقدمة من النواب، وهو ما يجعل مهمة التشريع منقوصة إذا لم تكن مدعومة بإرادة سياسية وكتل برلمانية تفرض أجندتها بشكل جاد.
والمفارقة هنا ؛ أن الأحزاب لم تنجح حتى هذه اللحظة، في صياغة أجندة تشريعية موحدة أو تشكيل جبهة رقابية جادة، بالرغم من أن الفرصة المتاحة لتفعيل العمل الجماعي داخل البرلمان.
أما المذكرات النيابية والتي بلغ عددها (35) مذكرة خلال الدورة العادية الأولى، فقد بدت هي الأخرى أدوات استعراضية أكثر من كونها أدوات تأثير فعلية، أذ لم ترتبط أغلبها بتحركات رقابية لاحقة أو حتى إجراءات سياسية كما يفترض أن تكون في أي بيئة برلمانية، فـ الكثير منها جاء كـ ردة فعل على قضايا الرأي العام أو من خلال ضغوط قواعد انتخابية مجتمعية، إلاّ أنها لم تترجم إلى مساءلة فعلية للسلطة التنفيذية وهذا ما يحيلها إلى مجرد واجهة شكلية للتفاعل لا أكثر.
أما على صعيد الجلسات، فقد عقد المجلس (26) جلسة تشريعية وبالمقابل عقد (12) جلسة رقابية، وهذا يكشف وبكل سهولة عن الميل الواضح نحو "التشريع على حساب الرقابة"، خاصة إذا علمنا أن هذا التشريع لم يكن مبادرة من النواب وإنما في كان في معظم حالاته من الحكومة، وهذا يقودنا الى استعادة الذاكرة الى المفارقة العجيبة المتمثلة بـ المأساة التي ما زالت تتكرر وتتوارث من المجالس السابقة، رغم اختلاف البيئة السياسية وتركيبة المجلس، وزيادة الحديث الرسمي عن التحديث السياسي، وتمكين الحياة الحزبية داخل البرلمان.
هنا؛ تبرز المفارقة المهمة والمتمثلة بـ السؤال الجوهري : لماذا لم يتمكن النواب خاصة الممثلين للأحزاب من تحويل وجودهم في البرلمان إلى تأثير فعلي وملموس..؟ فـ هل تكمن المشكلة في محدودية صلاحيات المجلس، أم في طبيعة تركيبته التي تطغى على صبغتها في كثير من الأحيان والمواضع الحسابات الفردية والمصالح الشخصية على العمل الجماعي والمنظم..؟
ومن الواضح أن العاملين معا يشكلان عائقا أساسيا، فـ غياب التنسيق الحقيقي بين الكتل البرلمانية، وضعف الأدوات التنظيمية داخل المجلس، إضافة إلى غياب الأولويات المشتركة، يحد ويعيق من فاعلية الدور البرلماني ويضعف أثره على السياسات العامة.
إضافة إلى ذلك، فإن التكتلات النيابية نفسها ما تزال فضفاضة، وعظمها مبني على المصالح المناطقية والولاءات الشخصية أكثر من كونها تعبيرا عن برامج سياسية حقيقية، حتى كتلة الإسلاميين وبـ الرغم من ما تملكه من تجربة تنظيمية، لم تظهر كـ قوة ضاغطة تمارس الرقابة بـ المعنى السياسي الكامل، بل اكتفت في كثير من الأحيان بـ المواقف الرمزية أو البيانات الاحتجاجية وغير المنطقية وغير المفهومة.
في المحصلة، وبـ الرغم من دخول عدد كبير من النواب الممثلين لـ الأحزاب السياسية الأردنية تحت قبة البرلمان، إلا أن هذه النسبة لم تنعكس فعليا على أداء المجلس من حيث بلورة جبهة رقابية موحدة أو الدفع بأجندة تشريعية مستقلة تعبر عن رؤى سياسية متمايزة أو برامج حزبية واضحة.
وطبيعي أن هذا التناقض يثير الكثير من التساؤلات حول مدى فاعلية التمثيل الحزبي داخل السلطة التشريعية التي تعتبر مركزا لـ الرقابة والتشريع، علاوة على أنه يكشف فجوة بين الشكل والمضمون في تجربة التحول نحو العمل البرلماني المؤطر حزبيا.
عموما، الرهان اليوم ليس فقط على عملية التحديث السياسي من الأعلى، بل على وعي النواب بـ أنهم ممثلو الشعب لا الحكومة، وأن أدواتهم الدستورية ليست أدوات مجاملة أو إثبات حضور، بل أدوات مساءلة حقيقية، تستمد شرعيتها من الدستور الأردني والشعب الأردني، وتمارسها بثقة وشجاعة.