الجغبير: ضرورة وجود آليات دعم ذكية وبرامج تحفيز موجهة لدعم الاستثمار الصناعي في ظل التسعيرة الكهربائية الحالية
عايش: تقييم سياسات الكهرباء يجب أن يستند إلى دراسات موضوعية بعيدًا عن المجاملات
بلاسمة: تعديل تعرفة الكهرباء خطوة إصلاحية مهمة ولكن نجاحها يتوقف على طريقة التنفيذ
الأنباط - عمر الخطيب
لا تغيب مديونية شركة الكهرباء الوطنية على ذهن المراقب لمفاصل الاقتصاد الوطني، فحجم الدين ضخم ومتزايد جراء كلف التوليد المرتفعة والمعتمدة على الغاز المستورد.
وبلغت مديونية الكهرباء الوطنية نحو 5.5 مليار دينار حتى نهاية عام 2023، ولـمواجهة هذا التحدي أطلقت الحكومة استراتيجية لتعديل تعرفة الكهرباء بهدف تقليل الفجوة التمويلية وتحفيز كفاءة الاستهلاك، مع الحفاظ على مبادئ العدالة الاجتماعية في توزيع الدعم، لكن هذا التعديل يطرح تساؤلًا حول ما إذا كانت التعرفة الجديدة تدعم الاقتصاد الوطني أم تهدد استقراره وتربك بيئة الاستثمار، خاصة في ظل تباين تأثيرها بين القطاعات الإنتاجية والاستهلاكية.
تأثير تعرفة الكهرباء على الصناعات
وبين رئيس غرفتي صناعة عمان والأردن المهندس فتحي الجغبير أن التعديلات الأخيرة على تعرفة الكهرباء المرتبطة بالزمن أثرت بشكل مباشر على كلفة الإنتاج، خاصة للمصانع التي تعمل على مدار الساعة ولا تستطيع نقل استهلاكها خارج أوقات الذروة، مثل صناعات الحديد والبلاستيك التي أُدرجت ضمن القرار بعد أن كانت مستثناة، هذه المصانع قد تواجه ارتفاعًا في فاتورة الكهرباء نظرًا لاعتمادها الكبير على الطاقة، ما يضعف تنافسية منتجاتها مقارنة بدول تقدم طاقة أقل كلفة، بالمقابل يمكن لبعض المصانع تقليل الكلفة إذا استطاعت الاستفادة من التعرفة خارج الذروة، ما يبرز تفاوت التأثير تبعًا لطبيعة كل صناعة ومدى مرونتها.
وأكد الجغبير أن تسعيرة الكهرباء الجديدة في الأردن تؤثر بشكل مزدوج على الاقتصاد والاستثمار الصناعي، فهي من جهة تسعى إلى تحسين كفاءة استهلاك الطاقة وتحفيز المصانع المرنة على الاستفادة من أوقات خارج الذروة ما يعزز الاستدامة، مضيفًا أنها تشكل عبئًا على الصناعات كثيفة الاستهلاك أو التي تعمل بنظام متواصل، إذ ترتفع كلفة الطاقة عليها، مما يهدد ربحيتها ويربك خطط التوسع ويقلل من جاذبية الاستثمار مقارنة بدول تقدم طاقة أرخص أو مدعومة.
من جانبه، بين خبير الطاقة فراس بلاسمة أن تعديل تعرفة الكهرباء في الأردن يهدف إلى تحقيق العدالة في توزيع الدعم من خلال تقليصه على الشرائح ذات الاستهلاك العالي وتوجيهه للفئات ذات الدخل المحدود، إضافة إلى دعم القطاعات الإنتاجية عبر تخفيض أو تثبيت التعرفة على الصناعات والزراعة والخدمات، كما شملت التعديلات تثبيت التعرفة لـ شريحة كبيرة من المستهلكين المنزليين ودمج الشرائح وتخفيض كلفة الكهرباء على الصناعات الكبرى، بـ المقابل فرض رسوم جديدة على بعض مشاريع الطاقة المتجددة بما فيها تلك المخصصة للاستهلاك الذاتي.
تحديات التعرفة الكهربائية
وأضاف أن التعديلات على تعرفة الكهرباء في الأردن تشير إلى آثار متباينة على الاستثمار المحلي والأجنبي، حيث أسهمت في تحسين البيئة التنافسية للصناعات الكبرى وتقديم إشارات إيجابية عن التزام الأردن بالإصلاح المالي، لافتًا إلى أن مخاطرها عدة وأبرزها غياب الاستقرار في السياسات التعريفية وفرض رسوم جديدة على مشاريع الطاقة المتجددة القائمة، ما يثير مخاوف المستثمرين بشأن اليقين القانوني، ويؤثر سلبًا على جاذبية بيئة الأعمال خاصة في ظل ارتفاع كلفة الكهرباء مقارنة بدول المنطقة مثل مصر والمغرب ودول الخليج.
وأشار إلى أن تجاوز هذه التحديات يحتاج وضع خطة مستقرة للتعرفة على مدى خمس سنوات، وتطبيق نموذج تصاعدي للقطاعات غير الإنتاجية، بالإضافة إلى إعفاء مشاريع الطاقة المتجددة القائمة من الرسوم، إلى جانب تعزيز كفاءة الطاقة عبر دعم تقنيات التبريد والعزل وإشراك القطاع الخاص في مناقشات السياسات التعريفية قبل تنفيذها.
تحويل التعرفة إلى فرصة
وذكر بلاسمة أن تعديل تعرفة الكهرباء في الأردن يمثل خطوة إصلاحية مهمة لكن نجاحها يتوقف على طريقة التنفيذ، ومدى مواءمتها لاحتياجات القطاعات الإنتاجية، ومراعاتها للعدالة الاجتماعية، فبينما تسعى الدولة لتعزيز استقرارها المالي لا بد من تجنب المساس بجاذبية الاستثمار أو تحميل الفئات المتوسطة والصغيرة أعباء غير مبررة، بالتوازن بين الكفاءة والعدالة وبين الاستقرار التنظيمي والتجديد، يستطيع الأردن تحويل تعديل التعرفة من عبء إلى فرصة تفتح آفاقًا جديدة لنمو الاقتصاد واستدامة الطاقة.
أثر التعرفة الصناعية
ومن الجانب الاقتصادي، أكد خبير الاقتصاد حسام عايش أن من الصعب تقييم أثر تعديل تعرفة الكهرباء على القطاع الصناعي دون دراسة علمية، لأن التأثير يختلف حسب طبيعة الصناعة وحجم اعتمادها على الكهرباء، ومدى قدرتها على التبديل بين أوقات الذروة وغيرها، خاصة أن بعض الصناعات تعمل على مدار الساعة ولا تملك مرونة زمنية في التشغيل، مبينًا أن هناك حاجة لـ دراسة علمية دقيقة لـ تقييم تأثير التسعير الزمني للكهرباء على مختلف القطاعات خصوصًا الصناعية لـ توضيح الفروقات بين أوقات الذروة وغيرها والابتعاد عن التقديرات والانطباعات.
عجز قطاع الكهرباء
وأشار عايش إلى أن صندوق النقد الدولي أشار وبشكل متكرر (كما جاء في المراجعة الأخيرة للبرنامج مع الحكومة) إلى وجود مشكلات في قطاعي الكهرباء والمياه، وأن الحكومة لم تنجح في تحويل قطاع الكهرباء إلى قطاع قادر على خدمة نفسه بنفسه أو توليد دخل يغطي الالتزام المالي العالي الذي يصل مع المياه إلى قرابة 7 – 10 مليارات دينار، على الرغم من إدخال تعديلات مثل تسعير الكهرباء حسب أوقات الاستخدام إلا أنها لم تحسن واقع القطاع الكهربائي، مبينًا أن القطاع ما زال عاجزًا عن إحداث نقلة نوعية، وذلك ينعكس سلبًا على الكلف التشغيلية لـ القطاع الصناعي.
أعباء الكهرباء على الصناعة
وقال عايش إن تقييم سياسات الكهرباء يجب أن يستند إلى دراسات موضوعية بعيدًا عن المجاملات، لكن حتى الدراسات المحايدة قد تهمش إذا تعارضت مع التزامات الحكومة تجاه جهات كصندوق النقد، ما يحوّل نتائجها إلى مجرد بيانات للاطلاع دون أثر فعلي، مضيفًا أن الكهرباء تعد جزءًا كبيرًا من الكلفة التشغيلية لـ بعض الصناعات التي قد تصل إلى 40-50%، أي أن الصناعات تعتمد عليها بشكل كامل ما يجعل أي تعديل في التعرفة يؤثر مباشرة على استمراريتها، ولضمان مرونة اقتصادية أكبر وتحفيز النمو والاستثمار على الحكومة مراجعة الأعباء والكلف المرتبطة بالقطاعات الاقتصادية بما فيها الكهرباء.