نقابة الأطباء: 74 شكوى وردت إلى لجنة الشكاوى خلال العام 2024
القدومي: لا يوجد أي شكاوى واردة لعمليات أسنان أُجريت بدون الحاجة لها
رياض: العمليات التي لا حاجة لها تُجرى لغايات مادّية أو تدريبية
الدَّبَّاس: عادةً ما يلجأ الطبيب لاتِّخاذ القرارات العلاجية بعد دراستها
القرالة: البند قد يُعتبر "ثغرة قانونية" لأنَّهم يحمون الأطباء بطريقةٍ ما
الأنباط - كارمن أيمن
"وين راحوا أسناني؟"، بكلماتٍ مُستهجنة وجَّهت المريضة سؤالها للطبيبة والتي بدورها أجابتها بعبارات ساخرة "عادي ما رح تحتاجيهم بعد الآن"!.
المريضة كانت تُعاني من تصبغات صفراء في أحد أسنانها الأمامية الذي تعرض للتلبيس منذ طفولتها نتيجة حدوث كسر في السن الأصلي، حيث طلبت من الطبيبة مُعالجة مشكلة السن المُتصبِّغ فقط، وبعد قيامها بالعلاج تفاجأت المريضة بإجراء بَرد وحفّ للأسنان السِّتَّة الأماميَّة وسحب عصب لهم على عجلةٍ من أمرها لم تتجاوز مُدِّتها نصف ساعة وبدون إخبارها بالإجراء الذي ستقوم به.
وفوق ذلك فإنَّ الطبيبة لم توضِّح ماهية العلاج وكيفيته أو المضاعفات المُترتِّبة عليه أو النتائج المتوقَّعة، مشيرةً إلى أنَّها لو علمت أنَّ العلاج سيتم بهذه الطريقة لما كانت ستوافق عليه.
ولم يقف الأمر عند هذه الطبيبة، فقد استشارت المريضة عِدّة أطبَّاء وأوضحوا لها أنَّ حالتها لا تستدعي هذا الإجراء، وباشرت بالعلاج مُتكبِّدَةً خسارات مادّية ومعنوية وجسدية، إذ وضعت طقم أسنان مؤقت لاسيما أنَّ حفل زفافها كان بعد أسبوعين، وقدَّمت شكوى وعُرِضت حالتها على لجان طبّيّة قانونيّة وأكَّدوا أنَّ ما حدث بالفعل "خطأ طبّي".
هذه الحالة ليست الأولى، وإجراء العمليات الطبّيّة التي لا حاجة لها لا يقتصر على مجال التجميل فحسب، بل يتعدَّى ذلك إجراء عمليات جراحية في كافّة أعضاء الجسم، بحسب مختصين في القطاع.
لكن هذه الحالات تشوه صورة المملكة العلاجية، خصوصًا أن الأردن يعد مقصدًا للسياحة العلاجية لسمعته الطبية الرفيعة، ما يستدعي التوقف عندها ومعالجة أي خلل في القطاع لمنع تأثيره على سمعة الوطن في هذا الجانب الحيوي.
وتعليقًا على هذا الموضوع، أشار عضو مجلس نقابة الأطباء الطبيب حازم القرالة إلى أنَّ عدد الشكاوى الواردة إلى لجنة الشكاوى وصلت في عام 2024 إلى 74 شكوى، في حين بلغت عدد الشكاوى تحت التنفيذ منتظر الردود من المستشفيات إلى 4 شكاوى، إضافةً إلى أنَّ عدد الشكاوى التي تمَّ بحثها وحفظها وصلت إلى 70 شكوى، وعدد الشكاوى المحمولة إلى لجان التأديب 2 شكوى.
وبيَّن أنَّ عدد اللجان التي تشكَّلت لرصد هذه الشكاوى ومتابعتها بلغ 67 لجنة، فيما وصل عدد الأطباء المشاركين في بحث الشكاوى إلى 201 طبيب.
ولفت إلى وجود لجنتين في نقابة الأطباء، إحداهما لجنة للأجور، تبحث في الأجور الطبيّة التي يتقدَّم فيها المواطنون بشكوى في المبالغ الماليّة التي يتقاضاها الطبيب، وتُحدِّد ما إذا كانت ضمن لائحة الأجور المُحدَّدة لتتَّخذ القرارات وإلزام الطبيب بإعادة المبالغة الزائدة للمريض.
وتابع، بأنَّ اللجنة الأُخرى تتمثَّل بِـ "لجنة الشكاوى"، إذ تتلقَّاها على العمليات العلاجية بشكلٍ عام، سواء كانت عن مُضاعفات أو أخطاء طبية، وتقوم بدراسة الملف بشكلٍ كامل وينبثق عنها لجنة مختصة وفقًا لنوع الجراحة ليصدرون قرار يُصادق عليه مجلس النقابة، وهذه القرارت والإجراءات مُلزمة.
وأكَّد على أنَّ العمليات الجراحية غير الضرورية "يَصعُب تقييمها"، باعتبار أنَّ العمليات الطارئة يعود إقرارها للطبيب مُباشرةً، فمن خلال الملف الطبّي يوثِّق الأطباء معلومات المريض والحالة المرضية، ليكون قرار الطبيب واضِحًا، ويُثبَّت قراره عن طريق التاريخ المرضي الموجود، بينما في العمليات المُبرمجة فيتم القيام بالإجراءات ذاتها، لكن في حالة اعتقاد المريض بأنَّه تمَّ إجراء عملية جراحية غير ضرورية فيتقدَّم بشكوى لنقابة الأطباء عبر الملف.
وأضاف أنَّ الأطبَّاء مُدرَّبون، لاسيما في ظل وجود أصول طبية مُتَّبعة في جميع التخصصات وِفقًا لدِراستهم، والمُتمثِّلة في الفحص السريري والتاريخ المرضي والوصول إلى التشخيص ثمَّ اتِّخاذ القرار المناسب.
وأوضح أنَّ معظم المرضى مُثقَّفين حول الأمراض الموجودة ومُدركين لحالتهم، خاصَّة عند مراجعة أكثر من طبيب لأخذ المعلومات الوافية واتِّخاذ القرار اللازم.
من جانبه، أفاد نقيب أطباء الأسنان الطبيب عازم القدومي خلال حديثه "للأنباط" أنَّه لا يوجد أي شكاوى واردة لِـعمليات أسنان أُجريت دون الحاجة لها، منوِّهًا على أنَّ الشكاوى التي تصل للنقابة تكون نتيجة الأخطاء الطبية.
وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ إجراء العمليات الطبية التي لا حاجة لها لا تقتصر على مجال التجميل فحسب، بل يتعدَّى ذلك إجراء عمليات جراحية في كافّة أعضاء الجسم، إذ أشار استشاري الأمراض النسائيّة والتوليد الطبيب عبد الرؤوف رياض إلى وجود عمليات يُجريها بعض الأطباء لا تستدعي الحاجة القيام بها، ففي ظل إمكانية الولادة الطبيعية تلجأ بعض السيِّدات للولادة القيصرية، رغبةً منها أو من الطبيب أو كلاهما للحفاظ على حالتها النسائيّة وتفادي الترهُّلات في البطن، إضافة إلى عمليات التجميل وقصّ المعدة التي تُجرى لأوزان تحت الحدّ الطبّي المطلوب ولا تُحقِّق الشروط المُحدَّدة، لكن نظرًا لإصرار المريضة للقيام بها فإنَّ الطبيب يوافق على إجرائها لغايات مادّية في المقام الأوَّل أو تدريبية، وعليه يقع على عاتق الطبيب التمتُّع بالقناعة والإقناع.
وأضاف أنَّ المريض لا يستطيع معرفة ما إذا كانت للعملية حاجة مُلحّة أم هناك بدائل علاجية، باعتبارها ضمن مسؤولية الطبيب، ورغمًا عن ذلك فباستطاعته أخذ آراء مجموعة من الأطباء قبل إجرائها، لكن المشكلة تكمن في حالة اجتماع أكثر من طبيب يتشاركون في الرأي المادّي.
ولفت إلى أنَّ العمليات الخاضعة للتخدير مُعرَّضة لمُضاعفات التخدير، فضلًا عن احتماليّة المضاعفات الجراحية، فقد تنتج عنها الالتهابات سواءً كان في العملية ذاتها أو في جروح العملية، لأنَّ أي عملية هي تداخل على جسم الإنسان، وأي تداخل يُحدِث هذه المُضاعفات.
وَوصفَ بعض الأطباء الّذين يتّخذون من مهنة الطب "تجارة" بأنَّه "عمل لا أخلاقي"، ويُعرِّض الطبيب للمُساءلة والعقوبة.
ومن ناحية أخرى، أفاد أخصائي القلب والأوعية الدموية الطبيب جمال الدبَّاس أنَّه عادةً ما يلجأ الطبيب لاتِّخاذ القرارات بعد دراستها، ولا يُمكن اتِّخاذ إجراء دون الحاجة له لأنَّه مُخالف للمهنة، إذ يُآخذ قانونيًّا، لاسيما إن كان فيه خطورة على حياة المريض، موضِّحًا أنَّه "أمر غير وارد".
وتابع، أنَّه قد يكون هناك عدم تفهُّم من المواطنين لبعض الإجراءات، إذ يقع على عاتق المريض مناقشة الطبيب والاطِّلاع على التفاصيل وأخذ الموافقة منه و ذويه، مُختَتِمًا حديثه بأنَّ مهنة الطب "مهنة شريفة ومُنزَّهة عن كل النقائص"، ولا يجب أن تدخل فيها التجارة ولا يُمكن أن يجتمعوا في آنٍ واحد.
على الصعيد القانوني، أفاد المحامي النظامي سفيان القرالة أنَّه في حالة خضوع المريض لعملية جراحية وأتَّضح لاحقًا أنَّه لا حاجة لإجرائها،، إلَّا أنَّها أُجريت لغايات ومصالح شخصية تعود للطبيب، فإنَّ مُقاضاته وإثبات الحالة لا يُمكن دون وجود تقرير خبرة، وعلاوة على ذلك فإذا اتضح أنَّ هناك إجراء غير ضروري قام به الطبيب وتقاضى عليه بتقرير الخبرة، ف بواضح القانون لا يُحاسب.
وتابع، إن قانون المُساءلة الطبية يُتيح التصرُّف للطبيب المختص والمتابع لحالة المريض كافّة الصلاحيات لاتِّخاذ الإجراءات والقيام بالعمليات، مُتستِّرًا بفعله من منطلق ألَّا تحدُث مُضاعفات لاحقة للمريض وتحسُّبًا لأي آثار جانبية مُحتمل حدوثها، ففي هذه الحالة يوجد بند يحمي الطبيب وينص على "بذل الجهد المطلوب أو العناية الكافية".
وأضاف أنَّه يجب إثبات الفعل المعنوي بقصد التجارة أو استغلال المريض، إذ أنَّ البند قد يُعتبر "ثغرة قانونية" لأنَّهم يحمون الأطباء بطريقةٍ ما، يليه إثبات الفعل الضار المُقترن بالقصد الجُرمي، إذ أنَّ الأطباء لا يُمكن توقيفهم.
وأكَّد على وجود اللجنة الفنّيّة العُليا في نقابة الأطباء التي تُعرض فيها الشكوى المُثبتة على الطبيب إضافة إلى التقرير، إذ تتكوَّن من 5 إلى 6 أعضاء يتباحثونَ في الملف لبيان أوجه التقصير لفترة لا تقل عن 4 شهور، نظرًا لاحتماليّة حدوث ضرر دون تقصير ناتج عن تفاعلات الجسم، فليس بمقدور الطبيب السيطرة عليها، وأمَّا في حالة حدوث التقصير والضرر من الطبيب فيتم إعلانه والاعتراض على التقرير، ومن ثمَّ تعترض عليه اللجنة الأعلى من اللجنة العُليا والتي يرأسها وزير الصّحّة.
واقترح القرالة استحداث بند يُلزم الأطباء بضرورة إخبار النقابة قبل إجراء أي عملية خطيرة وتكوين لجنة "مُخصَّصة وسريعة الرد"، لتحديد مدى أهمّيّة إجراءها، منوِّهًا على أنَّ خرق لوائح آداب المهنة يكمن عند إخفاء الطبيب أهمّيّة العملية وعدم مصارحته بوجود حلول بديلة لها.
واختتم حديثه بأنَّ مهنة الطب "إنسانية وليست تجارية"، لافتًا إلى أنَّها في حالة تطوُّر وتقدُّم في الأردن، إذ أنَّ الأطباء يراعون الظروف الصحيّة للمريض، ولكن الجُزء المخالف للأطباء هو ما يجب أن يُعامل كمُعاملة المُجرم، لذا لابُد من وجود رادع للأطباء القائمين بأخطاء طبية والعمل على توقيفهم من خلال تعديل بند المُساءلة الطبية، لأنَّ جميع الأردنيين أمام القانون سواء..