رفاق السُّم.. حين يصبح الصديق بوابة للإدمان

نبض البلد -

 

الطنطاوي: تركيبات كيميائية لمواد مخدرة تؤدي إلى اضطرابات دماغية وسلوكية

محمد شاهين

"المروّج ما راح ييجي يقولك أنا المروّج، بييجي بوجه صاحبك، وبلسان بنقط محبة، لكنه بوابة الهلاك"، بهذه الكلمات اختصر الأستاذ أنس الطنطاوي رئيس قسم الإعلام في مستشفى الرشيد، أحد أخطر أبواب الإدمان، خلال حديثه العميق في بودكاست "باب" عبر شاشة الأنباط، حيث تناول قضية المخدرات من جذورها النفسية والاجتماعية وصولًا إلى السلوكيات التحذيرية وطرق العلاج.

الفرق بين المخدرات الطبيعية والصناعية

وأكد الطنطاوي أن المخدرات تُقسم إلى طبيعية وصناعية، موضحًا أن الخطورة في المواد الصناعية تكمن في تركيبها الكيميائي الخالص، مثل "الجوكر" و"الكريستال"، والتي تؤدي إلى اضطرابات دماغية وسلوكية أسرع وأقوى، وأشار إلى أن كليهما سمّ قاتل، ولكن المواد الصناعية تُعد الأخطر من حيث السرعة والتأثير.

من أين تبدأ القصة؟

في إجابته عن سؤال لماذا يبدأ الشاب أو الفتاة بتجربة المخدر، أوضح الطنطاوي أن الضعف في البيئة الأسرية، غياب القدوة، والفراغ النفسي، يجعل الشاب "صيدًا سهلًا"، أحيانًا يبدأ الأمر بمزحة، بسيجارة، أو حتى بوعد "إنها بتنسيك همك".

وأضاف: "اللي بثق فيه، صاحب الطفولة، ممكن يكون اليوم هو الباب اللي يفتح لك عالم الإدمان، من غير ما تقصد، أو حتى عن قصد."

تغيّرات سلوكية لا يجب تجاهلها

بحسب الطنطاوي، فإن الاكتشاف المبكر لا يكون عبر العلامات الجسدية، بل السلوكية أولًا، ومن أبرز هذه المؤشرات: الانسحاب المفاجئ من العائلة والانزواء. التقرّب غير المعتاد من أصدقاء جدد. الخروج والدخول المفاجئ والمتكرر. اضطرابات في عادات النوم والطعام. الحاجة المفاجئة والمُلحة للمال. سلوك عدواني لفظي أو جسدي. السرقة أو "أخذ الأغراض” دون إذن.

وقال: "أحيانًا يبدأ يأخد مصروف أخته بدون إذن، يبيع لابتوب أمه أو شاشة التلفزيون، والمصيبة إنه مش حاسس إنه غلط."

الإدمان والجرائم

ويربط الطنطاوي بين تعاطي المخدرات وارتفاع نسب الجريمة، ليس فقط السرقة أو الاحتيال، بل أحيانًا في تعديات أخلاقية وانتهاكات شرف، حيث قال: "وصلت فينا الأمور إن بعض المدمنين سلّموا أجهزة فيها صور خاصة مقابل جرعة."

هل جرعة واحدة كافية؟

نعم، حسب تأكيده، الجرعة الأولى قد تكون البوابة الفعلية للإدمان، فلا توجد ضمانات، وكل فرد يختلف في استعداده الجسدي والنفسي للإدمان، ما يجعل التجربة مخاطرة حقيقية.

القانون والعلاج

وأشار الطنطاوي إلى أن القانون الأردني يُعفي المدمن من العقوبة إذا بادر بنفسه أو عبر أهله بطلب العلاج، مع الحفاظ على السرية التامة. حيث قال: "ما في حجة، أبواب العلاج مفتوحة، السرية مكفولة، وحتى الاسم مستعار."

الوقاية تبدأ من الطفولة

وأطلق الطنطاوي نداءً للمؤسسات التعليمية والدينية والفنية بضرورة المساهمة في برامج التوعية الممنهجة، لا التوعوية المؤقتة، مؤكدًا أن الطفل اليوم على وسائل التواصل قبل أن نصل له كمربين.

القانون في خدمة من يبادر للعلاج

وأوضح أن القانون الأردني يمنح فرصة للأهل والأصدقاء لإنقاذ أبنائهم المتعاطين من خلال التواصل مع الجهات المختصة دون أن تلاحقهم أي تبعات قانونية، وأكد أن من يبادر بالعلاج، سواء بنفسه أو عبر أهله، يتم التعامل معه بروح القانون لا بنصه الحرفي.

دور الأصدقاء في الإنقاذ

وتحدث عن موقف مؤثر لأحد الشباب الذي بادر بعلاج صديقه بعد اكتشافه لتعاطيه، مؤكدًا أهمية التنسيق مع الأسرة.

وأكد الطنطاوي أن التوعية تحقق نتائج فعلية، مستشهدًا بحالة شابين تواصلا معه بعد محاضرة جامعية حول مادة الكبتاغون، وأكدوا أنهم كانوا على وشك تجربتها لولا حديثه.

كما شدد على أهمية ترسيخ ثقافة رافضة للمخدرات منذ الطفولة عبر المدارس، لتصبح جزءًا من الوعي الجمعي للأجيال القادمة.

علاج الإدمان: خطة شاملة متكاملة

وفنّد الطنطاوي الفرق المزعوم بين العلاج النفسي والطبي، مبينًا أن علاج الإدمان يعتمد على برنامج تكاملي يشمل العلاج الجسدي، النفسي، الديني، والاجتماعي، تحت إشراف فريق طبي متخصص.

معلومات حول الكبتاغون والكريستال

وسلّط الطنطاوي الضوء على أخطر نوعين من المخدرات المنتشرة في المنطقة: الكبتاغون والكريستال، وبيّن أن الكبتاغون يُروج على أنه "حبوب دراسة"، بينما هو في الحقيقة مادة شديدة الخطورة، تسبّب الهلوسة والشك بالأهل، وتلف خلايا الدماغ.

أما الكريستال (المعروف أيضًا بـ"الشبو")، فوصفه بأنه أخطر مادة مخدرة حاليًا في الشرق الأوسط بسبب سرعة تأثيره على الدماغ وخلط مصنعيه له بمواد مهلوسة خطيرة.

نصيحة إلى كل من يسمع

واختتم الطنطاوي حديثه بنصيحة مؤثرة ومباشرة للشباب وأهاليهم قائلًا: "يا شباب، إذا عندك مشكلة، المخدرات مش الحل، لا تهرب من الرمضاء إلى النار.. إلجأ لأهل الاختصاص أو حتى إلى الله، بس لا تلجأ للمخدرات".

ودعا الأسر إلى التقرب من أبنائهم ومراقبة سلوكياتهم بدون اتهام أو قسوة، بل عبر الحوار والدعم المستمر. مؤكدًا ضرورة استمرار الإعلام بتغطية هذا الملف ببرامج دورية، لأن "إعلامنا يجب أن يكون أقوى من إعلام تجار المخدرات."