نبض البلد - اجبر "الهاجاناة" على توقيع وثيقة الاستسلام
الانباط- فرح موسى
... يذكر التاريخ بأحرف من نور أن القائد عبد الله التل، هو المجاهد الثاني بعد صلاح الدين الأيوبي الذي تمكن من تحرير القدس الشريف من اليهود، وأجبرهم على توقيع وثيقة استسلام الحي اليهودي، حيث كان قائد الهاجاناة هو الذي وقع الوثيقة إضافة الى تسليمه للقائد التل مسدسه الشخصي كنوع من الإستسلام، وكان يعتبر التل في ذات الوقت أصغر ضابط في تاريخ القوات المسلحة الأردنية، حيث وصل الى رتبة عقيد عبر عدة ترفيعات ملكية، وكان لا يتجاوز من العمر ثلاثين سنة، وذلك نظراً للدور البطولي خلال حرب فلسطين.
وكانت بريطانيا قد أكدت على أنه أحد أبرز الضباط العرب في القرن العشرين.
قاد التل الكتيبة السادسة الملكية، بكل شجاعة ومعه جنوده البواسل معركة كانت فاصلة في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، وانتصر في جميع معاركه التي خاضها في القدس ضد اليهود، والعصابات الصهيونية، وهذا النصر الكبير أدى الى الحفاظ على عروبة القدس مدة تسعة عشر عاما الى ان احتلتها إسرائيل عام (1967).
الملفت للنظر في مسيرة القائد عبد الله التل، بالإضافة الى أنه مؤسس واحدة من أهم الكتائب العسكرية، حيث دخل الجيش الأردني عام (1941) برتبة ملازم، وكان لا يتجاوز من العمر (23)، كأصغر ضابط في ذلك الوقت، ومما يميز التل سرعة وصوله الى رتبة عقيد خلال ست سنوات، ترفع فيها عدة ترفيعات ميدانية، بلغت أربعة ترفيعات، مما يعني أن التل كان متفوقاً في الجانب العسكري والسياسي، ليس فقط كقائد ميداني؛ إنما كمخطط استراتيجي، وحاكم عسكري لأهم مدينة على مستوى العالم، وقائداً للقوات العربية في القدس عام (1948 – 1949).
ألف القائد الكبير عبد الله التل مجموعة من الكتب والمخطوطات، كان أبرزها مذكرات بخط يده، يصف فيها معارك القدس وصفاً دقيقاً، وبكل التفاصيل حتى يخيل للقارىء بأنه يشاهد فيلما مصوراً عن المعارك بين الجيش العربي الأردني والعصابات اليهودية، وكيف كان الجنود البواسل يتعاملون مع اليهود، وقد اعتبرت المنظمات الدولية كتاب مذكرات القائد التل عن القدس واحدة من أشهر عشر مؤلفات في القرن العشرين.
عاش التل منفياً في القاهرة مدة عقدين من الزمن، وعاد بعفو ملكي الى الأردن، حيث عينه الملك عضواً في مجلس الأعيان، وعمل أيضاً مستشاراً لمنظمة المؤتمر الإسلامي، واستطاع تأليف العديد من الكتب تحدثت في مجملها عن اليهود وفلسطين، وضرورة تحريرها من دنس الإستعمار اليهودي، وكان رحمه الله متشدداً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، يؤمن بالتحرير الكامل، ويرفض مبدأ الحوار أو المفاوضات لأنه لا جدوى من التعامل مع عدو لا يفكر بالسلام إنما في الإحتلال والتوسع.
رحل القائد التل عن عالمنا وكان في عز بأسه وشدته، رجلاً مفعماً بالحيوية والنشاط، لم يتجاوز حين وفاته (55) عاماً قضاها في أعمال البر والتقوى، رجلاً عسكرياً صارماً، وسياسي محنك، ومثقف قل نظيره في هذا الزمن الأعمى.