خسائر سنوية من تصاريح العمل غير المدفوعة وسط تحديات مالية تواجهها الخزينة

نبض البلد -

أبو نجمة: غياب قاعدة بيانات دقيقة تعيق إمكانية مراقبة العمالة الوافدة

خصاونة: رسوم تصاريح العمل المرتفعة أدت إلى زيادة المخالفات

الأنباط – شذى حتاملة

مئات ملايين الدولارات تضيع على الخزينة، ففي الوقت الذي تعاني فيه المملكة من أزمة مالية خانقة ومديونية متفاقمة، تهدر سنويًا مئات الملايين بسبب تهرب العمالة الوافدة من دفع رسوم تصاريح العمل.

وفي المقابل تعلن الحكومة عن إنجاز مالي بتوفير 40 مليون دولار من كلفة خدمة الدين، حيث يتساءل الأردنيون لماذا لا يتم اتخاذ خطوات عملية لتحصيل أضعاف هذا الرقم من ملف التصاريح غير المدفوعة؟ ولماذا يغيب هذا الملف الخطير وغيره من القضايا الوطنية عن جلسات مجلس النواب، وعن طاولات النقاش الحكومي؟

ويرى خبراء أن ضعف تحصيل المبالغ المتعلقة بتصاريح العمل يعود إلى ضعف قدرة الجهات المسؤولة على تنفيذ القوانين المتعلقة بتنظيم سوق العمل، لافتين إلى أن ارتفاع رسوم التصاريح أدى إلى زيادة المخالفات في سوق العمالة الوافدة.

وقال رئيس مركز بيت العمال المحامي حمادة أبو نجمة، إن أسباب ضعف تحصيل المبالغ المتعلقة بتصاريح العمل يعود إلى ضعف قدرة الجهات المسؤولة على تنفيذ القوانين المتعلقة بتنظيم سوق العمل، وغياب قاعدة بيانات موحدة حول العمالة الوافدة، مضيفًا أن هناك أسبابًا تتعلق بعدم وجود قاعدة بيانات دقيقة تعيق إمكانية مراقبة العمالة الوافدة بشكل فعال وتجعل من الصعب تحصيل الرسوم المرتبطة بها بشكل منتظم.

وأضاف أبو نجمة أن المقترح الخاص بتخفيض رسوم تصاريح العمل بنسبة 30%، يأتي في إطار السعي لتعزيز القدرة على جذب العمالة المتخصصة التي يحتاجها السوق المحلي في قطاعات معينة، إذ تعد الرسوم المرتفعة أحد العوائق التي تحد من استقطاب الكفاءات الحقيقية، ما يؤثر سلبًا على قدرة تلك القطاعات على النمو والتطور، موضحًا أن تخفيض الرسوم يعبر عن توجه حكومي واضح نحو تشجيع استقدام المهارات المتخصصة، دون أن يشكل ذلك أي تأثير سلبي على الاقتصاد الوطني أو سوق العمل المحلي ، غير أن من الضروري أن يتم هذا التخفيض ضمن إطار خطة شاملة ومتكاملة لتنظيم استخدام العمالة الوافدة بفعالية، بما يضمن تلبية احتياجات السوق ويحافظ على توازناته.

وتابع أن خطوة تخفيض الرسوم جزء من جهود أوسع لتحسين آليات تنظيم سوق العمل، خاصة أن وجود العمالة الوافدة في المملكة لا يعد عبئًا، بل ضرورة اقتصادية تفرضها متطلبات عدد من القطاعات الحيوية، والتي تعاني من ضعف الإقبال من قبل العمالة الأردنية إما لعدم توفر المهارات المطلوبة أو لعزوفهم عن العمل في بعض هذه المجالات ، لافتًا إلى أن التحدي لا يكمن في الحد من استقدام العمالة الوافدة، بل في وضع سياسات مدروسة لمعالجة الأسباب التي تدفع الأردنيين للعزوف عن العمل في هذه القطاعات، والعمل على رفع كفاءة القوى العاملة المحلية لتكون مؤهلة لشغل هذه الوظائف، بدلًا من التضييق غير المدروس على العمالة الوافدة التي تسهم بفعالية في دعم الاقتصاد وتلبية احتياجات السوق.

وبين أبو نجمة أن أثر هذا التخفيض على جهود تنظيم سوق العمل وتخفيض نسبة البطالة بين الشباب يمكن أن يكون محدودًا في المدى القريب لكنه في ذات الوقت يعزز من استقطاب الخبرات والمهارات التي تساهم في تحسين بيئة العمل في المملكة، مؤكدًا على أنه يجب أن يكون التخفيض مرتبطًا بسياسات أخرى تهدف إلى توفير بيئة عمل لائقة للأردنيين وتشجيعهم على العمل في المهن التي قد يتجنبونها حاليًا بسبب ضعف شروط العمل، وهذه السياسات يجب أن تشمل توفير أجور مجزية وظروف عمل تتوافق مع المعايير الدولية مما سيساعد في تقليص الفجوة في سوق العمل.

ودعا إلى تركيز الجهود على برامج تدريب مشتركة مع القطاع الخاص هدفها تأهيل قوى عاملة محلية تلبي احتياجات أصحاب العمل وأن تكون مبنية على احتياجات السوق الفعلية لضمان نجاحها في تطوير مهارات القوى العاملة المحلية، مبينًا أن ما يتم هدره من موارد بسبب عدم الالتزام بإصدار تصاريح العمل يمكن الحد منه بشكل فعال إذا تم تنفيذ هذه البرامج التي تهدف إلى تحسين تنظيم سوق العمل، فغياب هذه البرامج هو السبب الرئيسي للاستخدام غير القانوني للعمالة الوافدة، مما يعطل جهود التنظيم ويؤثر سلبًا على الاقتصاد وسوق العمل المحلي.

من الناحية القانونية، أوضح الدكتور صخر الخصاونة أن المادة 12 من قانون العمل تنص صراحة على أنه "لا يجوز تشغيل العامل الأجنبي إلا بعد الحصول على تصريح عمل"، وهذه التصاريح تصدر من قبل وزارة العمل.

وبين الخصاونة أن الوزارة أجرت مؤخرًا تعديلات على نسب ورسوم تصاريح العمل، بحيث أصبحت مرتفعة بشكل كبير، مشيرًا إلى أن الغالبية العظمى من العمالة الوافدة في الأردن هي من الجنسية السورية، وقد كانت في السابق معفاة جزئيًا أو تدفع رسومًا رمزية ، أما الآن فقد فرضت عليهم رسوم مرتفعة وغرامات تطال أصحاب العمل، بالإضافة إلى رسوم بأثر رجعي في بعض الحالات.

وأضاف أن ارتفاع رسوم تصاريح العمل أدت إلى زيادة المخالفات في سوق العمالة الوافدة، وهو ما دفع الحكومة إلى النظر في تخفيض الرسوم من 800 إلى 650 دينارًا، في محاولة للتخفيف من آثار الأوضاع الاقتصادية الصعبة ، مؤكدًا أن الأصل هو أن يتحمل صاحب العمل هذه الرسوم، إلا أن الكثير من أصحاب العمل يلزمون العمال بدفعها، مما يشكّل عبئًا إضافيًا على العمال.

كما أشار إلى وجود دائرة رقابية في وزارة العمل تقوم بجولات تفتيشية دورية لضبط المخالفات وتحصيل الغرامات، داعيًا إلى مقاربة متوازنة تراعي بين حجم الرسوم، وتطبيق العقوبات، واحتياجات السوق من العمالة الوافدة.

وختم بالتأكيد على أن هناك قطاعات معينة لا تجذب العمالة الأردنية، ما يستوجب العمل على تشجيع الأردنيين للانخراط في هذه المهن، ونشر ثقافة تقدير العمل وأهميته، كخطوة نحو معالجة الاختلالات في سوق العمل.