مفاوضات حاسمة في مصر وضغوط دولية لإنهاء العدوان على القطاع
الشوبكي: أي هدنة مع نتنياهو بلا ضمانات تعد عبثًا تفاوضيًا
جبر: الفجوات التفاوضية كبيرة لكن الهدنة قادمة قبيل زيارة ترامب
الطماوي: يبدو أن السيناريو الأقرب هو التهدئة المؤقتة
العابد: لا أحد يربح من استمرار الحرب
الأنباط – رزان السيد
في ظل تصاعد الجهود الإقليمية والدولية لإنهاء الحرب المتواصلة على قطاع غزة، وصل وفد من حركة حماس، إلى العاصمة المصرية القاهرة، لاستئناف جولة جديدة من المفاوضات بشأن تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وسط ضغوط أمريكية وإسرائيلية متزايدة للتوصل إلى اتفاق خلال أسبوعين على الأكثر.
وتأتي هذه المفاوضات في وقت كثّف فيه الكيان الصهيوني اتصالاته مع الوسطاء، بعد أن خفّض سقف مطالبه في أعقاب لقاء رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي منحه مهلة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع لإنهاء الحرب الدامية.
المحادثات تعقد وسط تباينات واضحة في المواقف، بين إصرار الاحتلال على الإفراج الفوري عن الرهائن في بداية أي اتفاق، وتطلّع فلسطيني إلى وقف دائم لإطلاق النار، كشرط أساس للدخول في أي ترتيبات مرحلية أو طويلة الأمد، ومن غير المتوقع التوصل إلى تسوية سريعة، رغم ما وصف بتقدم ملحوظ في الأيام الماضية.
ويذكر أن اتفاق الهدنة السابق الذي أبرم بجهود الوسطاء وضع حدًا للحرب الهمجية على القطاع، لكن الكيان الصهيوني هو من تنصل من الاتفاق ولم يدخل المرحلة الثانية منه ليعود لقصف المدنيين وحرق خيام النازحين.
وفي هذا السياق، أوضح المحلل الأمني والسياسي، محسن الشوبكي لـ"الأنباط"، أن أي مقترح لهدنة مؤقتة في غزة يتسم بالعديد من التفاصيل الفنية المعقدة، بدءًا من تحديد أعداد الأسرى المزمع الإفراج عنهم لدى الطرفين، مرورًا باستئناف المساعدات الإنسانية، وصولًا إلى جدية الكيان الصهيوني في تنفيذ مثل هذه الاتفاقيات، وهذه العوامل تثير شكوكًا حول مدى صدق النوايا الصهيونية تجاه الالتزام بهدنة مؤقتة.
وأشار الشوبكي إلى أنه منذ انهيار اتفاق الهدنة السابق الشهر الماضي، لجأت الولايات المتحدة والكيان إلى تصعيد عسكري واسع النطاق على غزة، بالتوازي مع ضغوط سياسية مكثفة على حركة حماس، وعرقلة دخول المساعدات الإنسانية، لكن في ظل ضغط عائلات الأسرى الإسرائيليين على الإدارة الأمريكية، وتأزم الوضع الداخلي في حكومة نتنياهو بسبب الخلافات، بالإضافة إلى تقديم بعض العسكريين الإسرائيليين عرائض تطالب بإنهاء الحرب، برزت عوامل دفعت إلى البحث عن صيغة لوقف ولو مؤقتًا للعمليات العسكرية.
وعلى الرغم من إعلان نتنياهو عن أهداف مطلقة للحرب على غزة تشمل القضاء على حركة حماس وإطلاق سراح الأسرى بالقوة العسكرية، إلا أن النتائج المحققة حتى الآن اقتصرت على خسائر إنسانية جسيمة من أطفال ونساء، ما أضعف موقفه السياسي الداخلي، وفتح الباب أمام احتمالية انتهاء مستقبله السياسي في حال أوقف الحرب، بحسب الشوبكي.
وبين الشوبكي لـ"الأنباط" أن خطوات نتنياهو تشير إلى استبعاد القيادات الأمنية وتعيين الوزير دريمر كمسؤول عن المفاوضات إلى تسييس واضح للعملية التفاوضية، ومحاولة السيطرة الكاملة على مجرياتها ونتائجها، ووفقًا لمصادر مطلعة، حددت إسرائيل مهلة أسبوعين للتوصل إلى اتفاق، وإلا ستواصل عملياتها العسكرية دون توقف.
في المقابل، تظل حركة حماس ملتزمة بالسعي نحو اتفاق دائم وشامل لوقف إطلاق النار، بعيدًا عن أي هدنة مؤقتة لا تحمل ضمانات حقيقية، وهذا يتماشى مع معلومات حول وعد قدمه المبعوث الأمريكي ويتكوف بشأن إصدار واشنطن بيانًا يعبر عن التزامها بمفاوضات تتجه نحو وقف شامل ودائم للقتال.
كما لفت إلى أنه لا بد من بقاء التشكيك في مصداقية أي اتفاق مع حكومة نتنياهو أمرًا محوريًا، خاصةً في ظل إخلال الولايات المتحدة بضماناتها السابقة، ما يجعل وقف حرب الإبادة في غزة مهمة شديدة التعقيد.
من جانبها، أكدت أستاذة العلوم السياسية والمتخصصة في الشأن الفلسطيني، الدكتورة أريج جبر، أن القمة الثلاثية التي عقدت في القاهرة الأسبوع الماضي بين القيادات الأردنية، والمصرية، والفرنسية، كانت بمثابة تأكيد واضح على دعم حقوق الشعب الفلسطيني، والتشديد على ضرورة الضغط باتجاه حل سياسي عادل ينهي الاحتلال، ويسمح بقيام دولة فلسطينية مستقلة، كما كانت بمثابة إدانة للعدوان المستمر على غزة والضفة الغربية، ولسياسات الاستيطان والضم، وللهجة التصعيد التي يعتمدها الاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع كامل الأراضي الفلسطينية.
وتأتي هذه القمة بالتزامن مع لقاء جمع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، والذي سبقه اتصال هاتفي أجراه ترامب مع القادة الثلاثة المشاركين في القمة العربية، مشيرة إلى أنه خلال هذا الاتصال، وضعت أمام ترامب مجموعة من النقاط والمسؤوليات، من بينها ضرورة إعادة إعمار قطاع غزة وإنقاذ المدنيين ووقف نزيف الدم.
وأوضحت جبر خلال حديثها لـ"الأنباط"، أن ترامب أدرك خلال هذا التفاعل أن كلًا من الأردن ومصر يرفضان تمامًا فكرة التهجير القسري للفلسطينيين، وأن أي وجود "مشروط" للاحتلال في فلسطين يجب أن يكون على أساس تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته وفق قرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين، كما أن استمرار السلوك العدواني الإسرائيلي يمثل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين.
وأشارت جبر إلى أن الحديث عن "صفقة جديدة" يرتكز على مقترح مصري ينظر إليه كوساطة فوق الوساطة، وهناك أجواء من التفاؤل الحذر بشأن التوصل إلى اتفاق قريب، خاصة أن طرفي الصراع - المقاومة الفلسطينية والاحتلال - بحاجة لهذا الاتفاق، مع تفوق حاجة الاحتلال الذي يواجه ضغوطًا داخلية.
وبيّنت أن أبرز مؤشرات هذا التحرك، تصريحات من مسؤولين أمريكيين، من بينهم ترامب ومستشاره ويتكوف، تؤكد وجود فرصة لاستئناف التفاوض، وينظر إلى المقترح المصري كحل وسط يوازن بين مطالب حماس المرتبطة بالمحتجزين ومطالب الاحتلال، فقد طالبت حماس بالإفراج عن خمسة محتجزين مقابل هدنة مدتها 70 يومًا، فيما طالبت إسرائيل بإحدى عشر محتجزًا، وقدمت مصر حلًا وسطًا بالإفراج عن ثمانية محتجزين مقابل هدنة مدتها 50 يومًا.
وأكدت جبر أن حماس تدرك أنها كلما أفرجت عن عدد أكبر من المحتجزين، تقل قدرتها على الضغط، في حين يدرك الكيان عجزه الميداني والاستخباراتي عن تحديد مواقعهم، ومن هنا، فإن الضغط الداخلي على نتنياهو يتزايد، خاصة من قبل عائلات المحتجزين والمعارضة الإسرائيلية.
وأضافت أن الكيان الصهيوني يمارس تصعيدًا عسكريًا ويدعي سيطرته على نحو 30% من قطاع غزة، ويهدد بتوسيع هذه السيطرة إلى 50% إذا لم تستجب حماس للوساطة، إلا أن الاحتلال، فعليًا، يفرض حصارًا كاملًا على القطاع، ويستخدم عملياته العسكرية للسيطرة عليه، كما يقوم بتجويع السكان، وتشريدهم قسرًا، واستهداف البنية التحتية.
وأشارت جبر إلى تصريحات وزير حرب الكيان "كاتس" الذي أكد أن العملية العسكرية لن تتوقف، إضافة إلى تصريحات متطرفة أخرى تدعو لإعادة الاستيطان في غزة، وتوسيع المناطق العازلة حولها لضمان أمن المستوطنات، وإنهاء وجود حماس نهائيًا.
واعتبرت أن تصعيد الكيان يهدف للضغط على حماس لتقديم تنازلات، ولإضعاف الحاضنة الشعبية للمقاومة، وخلق حالة من الإحباط الداخلي، وفي الوقت ذاته، أنشأ الاحتلال محاور تقسيم داخل غزة، تُستخدم لتوسيع السيطرة الميدانية، ما يطرح تساؤلات حول واقعية الحديث عن انسحاب إسرائيلي في ظل هذا التمدد.
وحذّرت جبر من التعويل على الضمانات الأمريكية، مشيرة إلى أن التجربة السابقة أثبتت أن هذه الضمانات ليست ذات مصداقية، بل جاءت لصالح الاحتلال وحده، لذلك، تصر حماس على التمسك بورقة المحتجزين حتى تحقّق ضمانات فعلية لحقوق الشعب الفلسطيني.
وأضافت أن الحديث عن صفقة قريبة قبل عيد الفصح اليهودي هو ضرب من الخيال، نظرًا للفجوات الكبيرة والتصعيد المستمر، وأكدت أن أية هدنة يجب أن تأتي ضمن إطار مصالحة فلسطينية شاملة، تعيد توحيد الجغرافيا الفلسطينية بين غزة والضفة، لأن إسرائيل تستغل الانقسام الحالي لتكريس مشروعها الاستيطاني.
أما بشأن ما يشاع عن وجود دور إيراني في ملف غزة، فقد نفت جبر ذلك بشكل قاطع، مؤكدة أن إيران مهتمة فقط ببرنامجها النووي، ولا تُعنى فعليًا بالقضية الفلسطينية، ما يعني أن قطاع غزة خارج الحسابات الإيرانية الفعلية، رغم ما يُثار إعلاميًا.
واختتمت جبر حديثها بالقول إن زيارة ترامب المرتقبة إلى الشرق الأوسط، خاصة إلى السعودية والإمارات وتركيا، قد تشكل حافزًا للتوصل إلى اتفاق، لأن نتنياهو لا يريد أن يظهر في المنطقة وسط حالة من الفوضى، ويريد ترامب أن يقدم نفسه كصانع للسلام، وهو ما قد يدفعه للضغط على نتنياهو، لذا، فإن أي هدنة مرهونة باعتراف أمريكي ضمني بجرائم اليمين المتطرف الإسرائيلي، وهو أمر لا يبدو قريب التحقق.
كما أن التوصل إلى هدنة خلال هذا الأسبوع أو الأسبوع القادم أمر مستبعد، رغم الحاجة المشتركة لها، لكن الفجوات لا تزال واسعة بين مطالب المقاومة وشروط الاحتلال، إلا أن الهدنة قادمة، وربما تبرم قبيل زيارة ترامب للمنطقة، بحسب جبر.
من جانب آخر، أوضح المحلل السياسي، الدكتور محمد الطماوي، أن زيارة وفد حركة حماس إلى القاهرة تأتي في لحظة حساسة، حيث تتكثف الضغوط الدولية والإقليمية على جميع الأطراف للدفع نحو وقف إطلاق نار شامل، مؤكدًا أن مصر تحاول أن تلتقط هذه اللحظة بدقة، مستفيدة من تراكم أوراق قوتها كوسيط أساسي، لتثبيت تهدئة ترتكز على صفقة تبادل أسرى وشروط إنسانية متفق عليها كبداية، تمهيدًا لترتيب مرحلة ما بعد الحرب، خصوصًا فيما يتعلق بإعادة إعمار غزة وإعادة توحيد المشهد الفلسطيني الداخلي.
وأشار إلى أن تكثيف الكيان المحتل لقنوات الاتصال مؤخرًا مع مصر، والولايات المتحدة، جاء لأنه يدرك أن الحرب أصبحت عبئا داخليًا وخارجيًا على حكومة نتنياهو، خاصة بعد تزايد الغضب الشعبي الإسرائيلي، ومطالبات عائلات الأسرى بإعادتهم فورًا، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية والأمنية التي تراكمت على إسرائيل منذ اندلاع الحرب.
وتابع الطماوي، في حديثه لـ"الأنباط"، أن تصريحات ترامب بمنح نتنياهو مهلة زمنية من أسبوعين إلى ثلاثة لإنهاء الحرب، حتى وإن كانت ضمنية أو غير رسمية بالكامل، تعكس حقيقة أساسية، وهي أن الإدارة الأمريكية، حتى عبر قنواتها الحزبية، تشعر أن استمرار الحرب يهدد استقرار الشرق الأوسط، وأن واشنطن لم تعد ترى مصلحة في حرب طويلة الأمد قد تنقلب ضد مصالحها الإقليمية ومشروعها لتحالفات جديدة في المنطقة.
ويرى الطماوي أنه ليس من الواقعي أن يتم إنهاء الحرب دفعة واحدة وفق ما يريد نتنياهو، موضحًا أنه يجب أولًا تثبيت هدنة إنسانية تمتد عدة أسابيع، تترافق مع إطلاق محدود للأسرى والمعتقلين، وإدخال مساعدات إنسانية واسعة، كما أنه لا يكفي وقف القتال، بل يجب الدفع نحو مسار سياسي حقيقي بين الفلسطينيين أنفسهم، مصالحة داخلية بين حماس وفتح، بالتوازي مع حوار فلسطيني-إسرائيلي مدعوم دوليًا، حتى لا يكون وقف إطلاق النار مجرد هدنة مؤقتة تنهار سريعًا، وكذلك يجب أن تكون إعادة إعمار غزة جزءًا من اتفاق سياسي متكامل، يضمن عدم عودة الأوضاع إلى مربع التصعيد.
وبيّن أن الحقيقة هي أن نتنياهو يريد إنهاء الحرب بشروطه، والتي تكمن في استعادة الأسرى، تدمير البنية العسكرية لحماس، وتحقيق انتصار سياسي قبل تصاعد أزماته الداخلية، لكن حماس، لا تزال تمتلك أوراق قوة على الأرض، ولن تقدم استسلامًا مجانيًا.
ولذلك تتعدد السيناريوهات الممكنة للمرحلة المقبلة، يمكن تحديد ثلاثة مسارات رئيسية بناءً على المعطيات الإقليمية والدولية، السيناريو الأول يتمثل في التوصل إلى اتفاق شامل لوقف الحرب، في هذا الإطار، قد يتم الإعلان عن وقف دائم لإطلاق النار، يترافق مع صفقة تبادل أسرى بين حماس وإسرائيل، وفتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية بشكل منتظم، بالإضافة إلى بدء عملية إعادة الإعمار بإشراف دولي وموافقة فلسطينية واسعة، مؤكدًا بأن هذا السيناريو يحمل قوة دفع كبيرة لإنهاء معاناة المدنيين، ويخفف الضغط الداخلي عن حكومة نتنياهو، غير أن هذا السيناريو يصطدم بتحديات حقيقية، أهمها الخلاف حول مصير حماس العسكري في غزة، والاعتراضات المتوقعة داخل إسرائيل التي قد ترى في أي اتفاق "تنازلًا خطيرًا" لصالح المقاومة الفلسطينية.
أما السيناريو الثاني فيتجه نحو اتفاق تهدئة مؤقتة طويلة الأمد، يتم بموجبه التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار لعدة أسابيع أو أشهر، مع إطلاق سراح عدد محدود من الأسرى الفلسطينيين كبادرة حسن نية، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية الطارئة، على أن تستمر المفاوضات خلال فترة الهدنة للوصول إلى اتفاق نهائي لاحق، يتمتع هذا السيناريو بمرونة أكبر، حيث يتيح للطرفين التقاط الأنفاس وتهدئة الضغوط الدولية والإقليمية، مع إبقاء بعض الملفات عالقة، إلا أن التهدئة المؤقتة تبقى هشة وعرضة للانهيار عند أول اشتباك أو عملية اغتيال، مما يعني أن الغموض سيبقى مسيطرًا على مستقبل غزة وترتيبات ما بعد الحرب.
في المقابل، يبقى السيناريو الثالث والأخطر هو فشل المفاوضات واستمرار الحرب، في هذا السيناريو، يؤدي تعثر الجهود إلى عودة التصعيد الميداني بوتيرة أعلى، سواء عبر عمليات عسكرية محدودة أو توسع المواجهة إلى نطاق أكبر، استمرار الحرب يعني تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، وارتفاع فاتورة الخسائر الإسرائيلية والفلسطينية معًا. كما سيفتح هذا الخيار المجال أمام مزيد من الضغوط الدولية، بل وربما فرض عقوبات على إسرائيل مع تزايد الغضب العالمي. هذا السيناريو يخدم تيارًا متشددًا داخل حكومة نتنياهو يسعى إلى إطالة أمد الحرب تحت شعار "القضاء الكامل على حماس"، لكنه بالمقابل يحمل مخاطر استراتيجية قد تهدد استقرار المنطقة بأكملها.
ولفت الطماوي إلى أنه يبدو أن السيناريو الأقرب للحدوث هو التهدئة المؤقتة، تحت ضغط الحاجة الملحة لإنهاء المأساة الإنسانية، وضغط الولايات المتحدة، لاسيما بعد مهلة ترامب غير المباشرة لنتنياهو، ورغبة مصر في تثبيت هدنة تفتح الطريق أمام إعادة الإعمار ومصالحة فلسطينية داخلية، ومع ذلك، فإن الوصول إلى اتفاق شامل لا يمكن استبعاده تمامًا، خاصة إذا توافرت إرادة سياسية حقيقية لدى الطرفين وتم تأمين الضمانات الدولية الكافية، لكن الصراع السياسي سيستمر لفترة طويلة، وقد يتحول إلى مفاوضات معقدة ومفتوحة.
أما المحلل السياسي والباحث في العلاقات الدولية، نعمان العابد، فقد أكد لـ"الأنباط" أن هناك تطورات لافتة في المشهد السياسي الإقليمي، خاصة بعد اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب برئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لافتًا إلى أن هذا اللقاء جاء في ظل تعثر تنفيذ المرحلة الثانية من خطّة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، والتي تتعلق بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والبدء بعملية إعادة الإعمار.
وأشار العابد إلى أن نتنياهو رفض أي مقترحات تؤدي إلى إنهاء الحرب، وسحب قوات الاحتلال، ما يعد رفضًا فعليًا لتنفيذ الاستحقاقات الإنسانية والسياسية التي تضمنها المسار الدولي، خصوصًا في المبادرة المصرية المدعومة من عدة أطراف دولية، من بينها فرنسا.
وأضاف أن الفشل المستمر لحكومة نتنياهو وجيشه في تحقيق أهدافهم، على الرغم من حجم التدمير والقتل والإبادة الجماعية التي ترتكب في غزة، جعل الإدارة الأمريكية تعيد حساباتها، خاصة بعدما أدركت أن الأهداف المعلنة من الجانب الإسرائيلي، مثل استسلام المقاومة أو إطلاق سراح الأسرى دون شروط، غير قابلة للتحقيق.
وأوضح العابد أن الإدارة الأمريكية، في ظل انشغالها بعدة ملفات دولية، أبرزها التوتر مع الصين وتصاعد الحرب الاقتصادية، لا ترغب في استمرار نزاع مفتوح في الشرق الأوسط، كما أن زيارة ترامب المرتقبة للمنطقة، لا سيما للسعودية، تفرض ضرورة تهدئة الأوضاع، لضمان صورة مستقرة تعزز المصالح الأمريكية في المنطقة، بما يشمل ملف القضية الفلسطينية.
ووفقًا للعابد، فإن الضغوط التي مورست على نتنياهو خلال لقائه مع ترامب كانت غير مسبوقة، حيث سمع كلمات حازمة لم يكن يتوقعها، ما يعكس تحوّلًا في الموقف الأمريكي، خاصة في ظل اتساع دائرة الرفض داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، والانقسامات بين المعارضة والحكومة، فضلًا عن حالات التمرد داخل صفوف الاحتياط في الجيش الإسرائيلي.
وأكد أن حكومة الاحتلال، التي كانت تسعى لموافقة أمريكية على استهداف إيران، باتت تواجه واقعًا جديدًا، يتمثل في رفض واشنطن للمغامرات العسكرية غير المحسوبة.
وختم العابد بالقول إنه من المتوقع أن تُستأنف مفاوضات جادة خلال الأيام المقبلة، سواء في القاهرة أو الدوحة، في مسعى لإيقاف العدوان وتبادل الأسرى، غير أنه حذر من استمرار محاولات نتنياهو لإراقة المزيد من الدم الفلسطيني، في غزة والضفة الغربية والقدس، مستغلًا الأعياد الإسرائيلية وملفات الداخل المحتقنة.
ولم يستبعد العابد أن يلجأ نتنياهو إلى خطوة سياسية كبيرة مثل حل الكنيست والدعوة لانتخابات جديدة، رغم أنها قد لا تصب في صالحه، إلا أنها قد تتيح له تمديد فترة حكمه والاستمرار في سياساته خلال الفترة الانتقالية التي قد تمتد من ستة أشهر إلى عام.