جعفر: التدخين بكافة أنواعه يهدد الصحة
السيد: التدخين وسيلة نفسية للهروب من الواقع
البشير: ارتفاع الضرائب على الدخان لم تحد من هذه الظاهرة
الأنباط-آية شرف الدين
أصبح معروفًا أن الأردن يحتل صدارة دول العالم بنسب التدخين، فقد أعلن عن هذه المرتبة الشهر الماضي كأحد مخرجات نتائج المسح الوطني لانتشار استخدام التبغ، لكن ماذا نحن فاعلون؟ وهل من خطة لتقليص نسب المدخنين في المملكة؟ وما هي أسباب تزايد هذه الظاهرة؟
ففي بلد تبلغ فيه نسب المدخنين بكافة أشكاله 51.6 %، وهي النسبة الأعلى عالميًا، بات لزامًا علينا البحث في أسباب تزايد الانتشار وصولًا إلى حلول لكبح الظاهرة.
ويشار إلى أن المسح أظهر أن نسب المدخنين في المملكة توزعت بين 71.2% للذكور و28.8% للإناث.
وأشارت النتائج إلى أن 38.6% من المدخنين بدأوا التدخين عند سن أقل من 18 عامًا، و83% بدأوا بعمر أقل من 24 عامًا.
وكان وزير الصحة الدكتور فراس الهواري أكد أن هذه النتائج صادمة ومقلقة، وتحتاج إلى الكثير من العمل والتخطيط.
ويرى مستشار الأمراض التنفسية والعناية المركزة وأمراض النوم الدكتور حسن جعفر أنه لا يوجد نوع ضررة أقل من الآخر من أنواع التدخين وأن السيجارة الإلكترونية التي انتشرت بكثرة في الفترة الأخيرة تسبب أعراضًا غير تقليدية في سن مبكرة، مضيفًا أنه في ظل تنوّع وسائل التدخين بين السجائر التقليدية والإلكترونية والأراجيل تزداد المخاطر الصحية التي تهدد المدخنين لا سيما فئة الشباب.
وأكد الدكتور جعفر، خلال مشاركته في برنامج سكرول عبر شاشة الأنباط، أن جميع وسائل التدخين ضارة ولا يوجد نوع يمكن اعتباره أفضل من الآخر، مضيفًا أنه يرى يوميًا مرضى يعانون من آثار التدخين بمختلف أنواعه على رغم أن الأبحاث حول السجائر الإلكترونية لا تزال غير مكتملة إلا أن ما نرصده من أعراض عند مستخدمي هذه الوسائل يدق ناقوس الخطر.
وأشار إلى ظهور أعراض غير تقليدية لدى مستخدمي السيجارة الإلكترونية مثل آلام غير مبررة في الصدر وضيق تنفس لا يتناسب مع نسب الأوكسجين وتغيّرات التهابية في الأغشية المحيطة بالرئة والقلب وهي أعراض بدأت تظهر في أعمار صغيرة نسبيًا، مبينًا أنه من أخطر ما يتم تداوله هو اعتبار بعض الأجهزة الخاصة بالتدخين أو السجائر الإلكترونية بدائل صحية، لافتًا إلى أن الفكرة كانت أن تُستخدم كجسر للإقلاع لكن الواقع يشير إلى أن هذه الوسائل أطالت مدة الإدمان وبعض المدخنين أصبحوا يستخدمون أكثر من نوع في آن واحد”.
ولفت إلى مدى خطورة انتشار التدخين بين فئة الشباب خاصة باستخدام السيجارة الإلكترونية كوسيلة للتجربة قبل أن يتحوّل الأمر إلى عادة يومية تؤدي إلى اعتماد النيكوتين السريع في هذه الأعمار الحساسة.
وفي رده على الاعتقاد السائد بأن التدخين قديمًا كان أقل ضررًا، أوضح أن التبغ لطالما احتوى على نفس المكونات السامة لكن ما اختلف هو مستوى الوعي والخدمات الطبية المتوفرة، مشيرًا إلى أن أعراض التدخين قد تتأخر في الظهور لعشرات السنين وغالبًا ما تكون مرتبطة بتغيّرات مزمنة في الرئة وآباؤنا وأجدادنا ربما لم تظهر عليهم الأعراض بوضوح أو لم تُشخّص طبيًا في وقتها لكنها كانت موجودة فعلًا.
وشدد على ضرورة الإقلاع عن التدخين على الرغم من أنه قرار صعب لكنه ممكن ويتطلب إرادة ودعمًا نفسيًا وطبيًّا في الأردن، مضيفًا أنه يوجد هناك مراكز متخصصة منذ أكثر من 15 سنة مثل مراكز وزارة الصحة ومركز الحسين للسرطان تقدم برامج علاج سلوكي وأدوية تساعد على الإقلاع، ومعظم من أقلعوا عن التدخين احتاجوا من 4 إلى 6 محاولات حتى نجحوا داعيًا إلى ربط قرار الإقلاع بتاريخ محدد ومعرفة التغيرات التي أحدثها التدخين في وظائف الرئة.
وفي السياق، قالت طبيبة الأمراض النفسية والإدمان لانا السيد إن أحد أبرز الجوانب المهملة في نقاشات التدخين هو السبب الأولي للجوء إليه وأن النيكوتين يُعد من أكثر المواد تسببًا للإدمان، حيث تختلف دوافع التدخين بحسب الفئة العمرية فالمراهقون غالباً ما يبدأون بالتدخين بدافع الفضول أو لتقليد أقرانهم والسعي للقبول الاجتماعي لذلك في هذه المرحلة العمرية يكون تأثير الأصدقاء أكبر من تأثير الأسرة مما يدفعهم لتبني سلوكيات كوسيلة لإثبات الذات.
وأشارت السيد إلى أن المراهقين يقلدون قدواتهم سواء كانوا فنانين أو مدربين أو معلمين فيتبنون التدخين كجزء من صورة الرجل البالغ المستقل، مبينة أن المراهق يلجأ للتدخين نتيجة ضغوط نفسية داخلية لذلك يستخدمه البعض كآلية دفاع نفسية لمواجهة التوتر أو القلق ومن هذه الآليات ما يسمى بالنكوص وهي العودة اللاواعية لسلوكيات طفولية مثل وضع الأشياء في الفم وهو ما يرتبط بالتدخين أو اضطرابات الأكل.
وعن أهمية المرحلة الفموية في الطفولة ومدى تأثيرها في بناء الثقة بالعالم، بينت أن الأطفال الذين مروا بتجارب فطام سلبية أو حرموا من الرضاعة أو اللهاية بشكل قاسٍ قد يكونون أكثر عرضة للجوء لسلوكيات فموية ضارة لاحقًا مثل التدخين، مشيرة إلى أنه من الناحية العصبية يعمل النيكوتين على رفع مستوى الدوبامين في الدماغ الذي يعد الناقل العصبي المسؤول عن الشعور بالسعادة والمكافأة لذلك يشعر المدخن بتحسن مؤقت في المزاج وخاصة في البيئات التي يكون فيها التدخين مقبولًا اجتماعيًا.
وبينت أن الإحساس بالراحة أثناء التدخين ليس بالضرورة نتيجة النيكوتين نفسه بل يعود في بعض الأحيان إلى عملية التنفس العميق الانفصال المؤقت عن الضغوط ما يعطي شعورًا زائفًا بالاسترخاء. لافتة إلى أن هناك ارتباطًا كبيرًا بين التدخين والاضطرابات النفسية، خاصة القلق والاكتئاب فالأشخاص الذين يعانون من هذه الحالات يميلون أكثر إلى تبني سلوكيات مؤذية للذات مثل التدخين أحيانًا بدافع اللاوعي كنوع من العقاب الذاتي أو الهروب من الألم النفسي، لذلك فإن الدماغ البشري يبحث عن المكافأة عبر إفراز الدوبامين بعد إنجاز الأهداف مثل النجاح أو التمارين الرياضية لكن المواد الإدمانية تقدم تلك المكافأة بشكل سريع ومجاني ما يجعلها جذابة للدماغ لكنه في النهاية يتأقلم معها وتقل فعالية المادة لتبدأ أعراض انسحابية عند التوقف.
وأوضحت أن سبب انتشار السيجارة الإلكترونية يجمع بين الحاجة الاجتماعية للقبول والرغبة الجسدية الناتجة عن الإدمان الفعلي، مؤكدة أن القابلية للإدمان تختلف من شخص لآخر بناء على عوامل وراثية وعصبية ما يجعل بعض المراهقين أكثر عرضة من غيرهم لتطور السلوك الإدماني.
وأكدت أهمية فهم آلية عمل الدماغ في الإدمان والبحث عن مصادر بديلة وآمنة للمكافأة والدوبامين كالنشاطات الرياضية والممارسات الاجتماعية الصحية، كما شددت على أهمية وجود وعي شخصي وإرادة إلى جانب الدعم النفسي والمجتمعي المتواصل.
من جانبه، أكد المحلل الاقتصادي محمد البشير أن التدخين وعلى الرغم من كونه ظاهرة واسعة الانتشار لا يمكن اعتباره رافدًا اقتصاديًا حقيقيًا للدولة بل يشكل عبئًا اقتصاديًا ثقيلًا على شريحة واسعة من المواطنين خاصة من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة.
وأوضح البشير أن النفقات التي تذهب للتدخين تمثل استنزافًا كبيرًا لميزانيات الأسر التي تعاني أصلًا من ضغوط اقتصادية متزايدة نتيجة لتوسع سلة الاستهلاك وغياب العدالة الاجتماعية، مشيرًا إلى أن البعض يلجأ للتدخين هروبًا من الواقع الصعب، أو كوسيلة للتنفيس عن ضغوط الحياة وهو ما يعتبر تفسيرًا نفسيًا خاطئًا لكنه في النهاية يعكس حجم المعاناة الاجتماعية والاقتصادية لدى الأفراد.
وأضاف أن السبب الجوهري وراء الإقبال على التدخين هو شعور الأفراد بعدم حصولهم على نصيبهم العادل من الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة وفرص العمل.
وأوضح أن الضرائب المفروضة على التبغ ومنتجاته أثبتت عدم فعاليتها في تقليل نسبة المدخنين، مبينًا أن العلاقة بين الضرائب والتدخين لم تكن عكسية كما كان مأمولًا بل كانت طردية وارتفاع الضرائب زاد من العبء على الأسر، ما دفع البعض للتشبث أكثر بعادة التدخين كمتنفس وسط الضغوط.
وشدد البشير على أن الحل الحقيقي للحد من ظاهرة التدخين لا يكمن في فرض الضرائب أو القيود بل في معالجة الجذور الاجتماعية والاقتصادية للمشكلة، مؤكدًا ضرورة أن يشعر المواطن بأنه يحصل على فرصته العادلة في الحياة من حيث التعليم والصحة والسكن والعمل والمكانة الاجتماعية، وحينها فقط تبدأ مثل هذه العادات بالتراجع تدريجيًا.