العقبة تحتاج إلى نظامها الخاص كما أصل فكرتها

نبض البلد -

ونحن على أبواب يوبيلها الفضي

القادم أجمل وثمة من يبكي إذا فرح ثغرها

هناك من يحسد استقلاليتها من المسؤولين

الأصل مكافحة التهريب وتطوير الأداء الجمركي وليس سحب امتيازاتها

الأنباط – عمر كلاب

في كل مرة تطأ قدماك العقبة, ترى جديدًا, منشأة هنا أو فندق هناك, طريقًا مرصوفة, أو جبل ينشق دون عصا موسى, ثمة ما يغري ويغوي في مدينة, شقها البحر والجبل والصحراء, بعد عقود من رتابة, كادت أن تضع المدينة في خانة الجمود الأزلي, مدينة أدارت وجهها للبحر, ولم تُدر ظهرها للصحراء, بل تسعى لأن ترسم مثلثًا من فرح ونجاح, كثيرون راهنوا على فشل مستقبلها, وأكثر حلموا بأن تهتز خطواتها وخطوات قادمها, وفي كل مرة كانت تنطق بأسرارها, وعبقرية فكرتها التي تعاني اليوم, من ارتداد وردة, داخل عقول مسكونة باليومي وليس المنهجي, مسكونة باللحظي وليس الكلي.

هل نحوت نحو الأدب بدل السياسة, ربما, فسحر البحر يسكنك وأنت تغادره لفترات, والعقبة بحر أولًا وعاشرًا, رغم جور الجغرافيا علينا, بأن منحتنا 27 كلم فقط من شواطئه, وعلينا أن نستثمرها كلها, للموانئ والسياحة والصناعة, وأن نترك مساحة أمان للبيئة, كي لا تعضب علينا وتعاقبنا, وكل هذا تم, سلسلة موانئ وليس ميناءً واحدًا, وسلسلة فنادق, ومساحة كافية كي لا تعضب البيئة والطبيعة علينا, وثمة متسع لجديد على شواطئها, لمنشأة أو أكثر, فرغم ضيق المساحة الشاطئية, إلا أن البركة, حاضرة, وكذلك اتساع العبرة, التي قادها الملك عبد الله الثاني بأن أطلق فكرتها, ثم أولاها إلى عضده الأمير الحسين لإكمال النهج والمنهج.

قبل أن استرسل بالسرد, ساوي طرفة تؤسس للقادم, ذات عشاء بصحبة الخال عبد الله العتوم, والساحر أحمد سلامة, وهنا أستعير الوصف – الساحر - من الدكتورمصطفى الحمارنة, أمد الله في أعمارهم, تجادل الخال عبد الله, مع أحد كبار ملاكي المزارع, وكانت مزرعة الخال في سوف, بحجم الكون محبة ورحابة صدر, رغم محدودية مساحتها الجغرافية, قياسًا بمزرعة الطرف الآخر في النقاش, الذي لم يكن يعرف حجم مزرعة الخال, فجاراه في الحديث, عن تعب المزارع – بفتح الميم – وحجم الجهد المبذول, دون عوائد, فأراد أحمد, بسحره المعهود, أن يؤصل الحوار, وبكشف المستور عن مساحة مزرعة الخال.

فسأل أحمد, المضيف صاحب المزرعة الفارهة, شو نوع سيارتك؟ فاستغرب المضيف السؤال, ولكنه أجابه, فقال له أحمد, افتح دبة السيارة, وحط فيها مزرعة عبد الله, وانهال على عبد الله بعذوبة, حول كيفية نقاش المضيف عن المزارع, من منطق التساوي, استذكرت القصة بكل عذوبتها, حين كان يروي لي البدوي صبوح الوجه غير الملثم, نايف الفايز, عن كلمته في مؤتمر دولي, بحضور دول تمتلك آلاف الكيلومترات من الشواطئ, بل إن شاطئ العقبة كله, ربما يملكه أحد أثرياء تلك الدول, وكيف انبهر الحضور بأداء العقبة, ودورها, وحصافة إدارة هذه الشريط البحري الضيق.

سأعود إلى السياسي والاقتصادي, في فكرة العقبة المغرية, بنقلها من الرتابة والملل, إلى بحبوحة الكون وفضاءاته, كان جذر الفكرة عبقريًا, دولة واحدة بنظامين, حيث يكون للعقبة نظامها الخاص, فكانت سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة, ومؤسف أن نعود إلى نقاش جذر الفكرة, ونحن نقارب يوبيلها الفضي,فانطلقت العقبة بكل قوتها, لتفتح الجبال وتشق عنان السماء, رافعات تعمل, ولودرات تنقل, وبواخر ترسو, وفي بضع سنوات, كانت العقبة الاقتصادية الخاصة, معلمًا بارزًا, لنبض حياة, ومستقبل مشرق, بشرت به الملكية الرابعة.

بدا الهمز منذ لحظتها الأولى, العقبة محمص ومخمر موز, كناية عن حجم الزوار الأردنيين إلى العقبة, وحجم مشترياتهم منها, وكأن على الأردني عندما يغادر في جولة سياحية, أن يعود محملًا بتكنولوجيا حديثة أو بئر نفط, لا أن يعود بما هو مألوف في المنطقة التي زارها, وقد جاد البحر بما ترسو به السفن, لكنهم أغمضوا أعينهم, عن كل المباني السياحية والمنشآت الصناعية, وميناء الحاويات وسلسلة الموانئ الأخرى, وما جادت به السواعد الأردنية, من الطريق الخلفي إلى مركز التقنية الحديث لتكنولوجيا المعلومات, والهيدروجين الأخضر واستثمارات عربية وأجنبية تكسر أصفارًا مهولة في أرقامها, وجامعات بدأت تراها العقبة, تلك المدينة التي غفت لعقود على شاطئ البحر الحارق.

بدأت الحرب على العقبة مبكرًا, من فئتين, الأولى كانت كما أظن, بلا إثم, تستقصد رمزية الفكرة وضرورتها, والثانية, فئة تخشى النجاح, طالما هي خارج الكرسي, وتلك لا تقل خطورة عن الأولى, تحديدًا في السنوات الأخيرة, التي بدأت تتقلص فيها فكرة خصوصية العقبة, تحت حجج ضعيفة, يكون علاج أعراضها بقرارات حاسمة, وليس بسحب امتيازات العقبة وخصوصيتها, كانت الاختلالات الجمركية عنوان سحب خصوصية العقبة, بدل صرامة الأداء الجمركي وتحسين أدائه, صار كل وزير مالية يخشى نقصًا في عوائد الخزينة, يضع ضريبة أو يرفع رسومًا, وكان الدخان وتهريبه عنوان الاجتياح ومبرره الرئيس, بدل مكافحة تهريبه وباقي السلع الأخرى.

وتطور الأمر, وصارت كل وزارة أو مؤسسة, تسعى لأن تكون شريكًا في القرار التنفيذي والاستراتيجي, وبدأت تضيق فسحة الأمل في العقبة, التي مرت بظروف قهرية, بحكم الإقليم وحروبه, وبحكم الأزمات وارتدادها على المدينة الساحلية, أسوة بكل الإقليم والمدن, فعاشت العقبة ازدهارًا وعاشت أيضًا اندحارًا, أو كمونًا للدقة, وترأس سلطتها من فهم شيفرتها, وترأس سلطتها من هو تنفيذي بلا مواهب, ولكنها في كل الأوقات ظلت تحت مرمى القصف, إذا فرحت يا ويلها, وإذا عبست يا ويلها, بل ثمة من يفرح ويشمت لعبوسها.

إذا فرحت العقبة وتهادت فرحًا, كأي مدينة ساحلية, فهذا رجس من عمل الشيطان, ونبدأ بوعيدها بالويل, وإذا عبست العقبة, نقول هذا جريمة الفكرة وعقم من يقود سلطتها, وكأن المطلوب من مدينة ساحلية, أن ترتدي السواد ولا تعرف الفرح, وكأن نظيراتها في جدة وشرم الشيخ والغردقة باكيات, أو في سواحل اسطنبول والقاهرة ناحبات, فثمة من يبرر لكل المدن فرحها وغنائها إلا العقبة, التي مكتوب عليها أن تبقى تحت تهديد البيانات والاستجوابات إذا فرحت, رغم أنها أكثر المدن الساحلية وقارًا في الفرح, وأكثر المدن حاجة إليه, فهي منفسنا الوحيد, كوطن ومجتمع.

صحيح أن السنة الجديدة, ومنذ بدايتها, تحمل بشائر الخير, وعندما سألت العاملين هناك, في مجالات متعددة, سياحة وتجارة وغوص, كانت إجابتهم: الحمد لله, مستورة, وهذا جواب طال انتظاره, وثمة قادم أجمل من مؤتمرات واستثمارات, تعيد للعقبة البهاء والنضارة, وتضعها مركزًا إقليميًا رغم محدودية المساحة, لكن وبكل جرأة نقول, ونحن على أبواب يوبيلها الفضي, أعيدوا لها خصوصيتها وامتيازاتها, دعوها تعمل دون عين الحسد والتربص والنكاية, دعوها تعود إلى أصل فكرتها واستقلالية قرارها, تعود مدينة بنظام خاص, ترفد الخزينة المركزية بالكثير الدائم, وليس بالقليل المنقطع, فنحن نعاكس العلم, بتكبيل يدي العقبة وبتحويلها إلى محافظة كباقي شقيقاتها, المحرومات من البحر.

هي دعوة للحكومة ورئيسها, وكل أجهزتها, ودعوة إلى كل المؤسسات الوطنية, دعو العقبة تسترد أصل فكرتها, وجوهر تميزها, ولا تنسبوها إلى العاصمة المركزية وتفاصيلها.